للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليس له غرضٌ في قول إمام بعينه. فهذه أجناس الفتيا التي ترِد على المفتين.

ففرضُ المفتي في القسم الأول أن يجيب بحكم الله ورسوله إذا عرفه وتيقَّنه، لا يسعُه غير ذلك. وأما في القسم الثاني، فإذا عرف قولَ الإمام نفسِه وسِعَه أن يخبر به. ولا يحِلُّ له أن ينسب إليه القولَ ويُطلق عليه أنه قولُه بمجرَّد ما يراه في بعض الكتب التي حفظها أو طالعها من كلام المنتسبين إليه، فإنه قد اختلطت أقوال الأئمة وفتاويهم بأقوال المنتسبين إليهم واختياراتهم. فليس كلُّ ما في كتبهم منصوصًا عن الأئمة، بل كثيرٌ منه يخالف نصوصهم، وكثيرٌ منه لا نصَّ لهم فيه، وكثير منه مخرَّجٌ (١) على فتاويهم (٢)، وكثير منه أفتوا به بلفظه أو بمعناه. فلا يحِلُّ لأحد أن يقول: «هذا قول فلان ومذهبه» إلا أن يعلم يقينًا أنه قوله ومذهبه، فما أعظم خطر المفتي وأصعب مقامه بين يدي الله سبحانه!

وأما القسم الثالث، فإنه يسعه أن يخبر المستفتي بما عنده في ذلك، وما (٣) يغلب على ظنه أنه الصواب، بعد بذل جهده واستفراغ وسعه. ومع هذا فلا يلزم المستفتي الأخذُ بقوله، وغايته أنه يسوغ له الأخذُ به.

فليُنزل المفتي نفسَه في منزلة من هذه المنازل الثلاث، وليقم بواجبها؛ فإن الدين دين الله، واللهُ سبحانه ــ ولا بدَّ ــ سائلُه عن كلِّ ما أفتى به. وهو موقوف (٤)


(١) ب: «تخرَّج»، وفي النسخ المطبوعة: «يخرَّج». ورسمها في ز يحتمل ما أثبت.
(٢) «وكثير منه لا نصَّ ... فتاويهم» ساقط من ك.
(٣) في المطبوع: «ما» دون الواو، وفي الطبعات السابقة: «مما».
(٤) الكلمة غير محررة في ز، ك. وفي النسخ المطبوعة: «موقرة»، تحريف.