للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعيدًا منه عند هؤلاء. والثاني: أنها تصل، ووصولُها فرعُ حصول الثواب للقارئ، ثم ينتقل منه إلى الميت. فإذا كانت قراءة القارئ ومجيئه إلى القبر إنما هو لأجل الجُعْل، لم يُقصَد (١) به التقرب إلى الله= لم يحصُل له ثواب، فكيف ينتقل عنه إلى الميِّت، وهو فرعه؟ فما زاد بمجيئه إلى التربة إلا العناء والتعب؛ بخلاف ما إذا قرأ لله (٢) في المسجد أو غيره في مكان يكون أسهلَ عليه، وأعظمَ [١٩٤/ب] لإخلاصه، ثم جعَل ثوابَ ذلك للميِّت= وصل إليه.

وذاكرتُ مرةً بهذا المعنى بعضَ الفضلاء، فاعترف به، وقال: لكن بقي شيء آخر، وهو أن الواقف قد يكون قصَد انتفاعَه بسماع القرآن على قبره، ووصولَ بركة ذلك إليه. فقلت له: انتفاعُه بسَماع القرآن مشروطٌ بحياته، فلما مات انقطع عملُه كلُّه. واستماعُ القرآن من أفضل الأعمال الصالحة، وقد انقطع بموته، ولو كان ذلك ممكنًا لكان السلف الطيب من الصحابة والتابعين ومَن بعدهم أولى بهذا الحظ العظيم، لمسارعتهم إلى الخير وحرصِهم عليه، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه. فالذي لا شكَّ فيه أنه لا يجب حضورُ التربة، ولا تتعيَّن القراءة عند القبر.

ونظير هذا ما لو وقف وقفًا يتصدَّق به عند القبر، كما يفعل كثير من الجهال، فإنَّ في ذلك من تعنية الفقير وإتعابه وإزعاجه من موضعه إلى الجبَّانة (٣) في حال الحرّ والبرد والضعف حتَّى يأخذ تلك الصدقة عند القبر


(١) في النسخ المطبوعة: «ولم يقصد»، بزيادة واو العطف بين معقوفين، ولا داعي لها.
(٢) «لله» لم يرد في ز.
(٣) هي المقبرة.