للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عبادة الطاغوت، وعن التحاكم إلى الله وإلى رسوله (١) إلى التحاكم إلى الطاغوت، وعن طاعته ومتابعة رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته. وهؤلاء لم يسلكوا طريقَ الناجين الفائزين من هذه الأمة ــ وهم الصحابة ومن تبعهم ــ ولا قصدوا قصدَهم، بل خالفوهم (٢) في الطريق والقصد معًا.

ثم أخبر تعالى عن هؤلاء بأنهم إذا قيل لهم: تعالَوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول أعرضوا عن ذلك، ولم يستجيبوا للداعي، ورضُوا بحكم غيره.

ثم توعَّدهم بأنهم إذا أصابتهم مصيبة في عقولهم وأديانهم وبصائرهم وأبدانهم وأموالهم، بسبب إعراضهم عما جاء به الرسول وتحكيمِ غيره والتحاكُمِ إليه، كما قال تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} [المائدة: ٤٩] اعتذروا بأنهم إنما قصدوا الإحسان والتوفيق، أي بفعل ما يُرضي الفريقين ويوفِّق بينهما، كما يفعله من يَرُوم التوفيقَ بين ما جاء به الرسول وبين ما خالفه، ويزعُم أنه بذلك محسِن قاصِد للإصلاح (٣) والتوفيق. والإيمانُ إنما يقتضي إلقاء الحرب بين ما جاء به الرسول وبين كلِّ ما خالفه من طريقة وحقيقة وعقيدة وسياسة ورأي. فمَحْضُ الإيمانِ في هذا الحرب، لا في التوفيق؛ وبالله التوفيق.

ثم أقسم سبحانه بنفسه على نفي الإيمان عن العباد حتى يحكِّموا رسولَه في كلِّ ما شجَر بينهم من الدقيق والجليل. ولم يكتفِ في إيمانهم بهذا


(١) س: "وإلى الرسول". وفي ع: "ورسوله".
(٢) ت: "خالفوا".
(٣) ع: "الإصلاح"، وكذا في النسخ المطبوعة.