للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جحوده فلا أجرة له لأنه قصَره لنفسه.

وكذلك إذا سئل عن رجلٍ حلَف يفعل كذا (١)، ففعَلَه، لم يجُز له أن يفتي بحِنثه حتَّى يستفصله: هل كان ثابتَ العقل وقتَ فعلِه أم لا؟ وإذا كان ثابتَ العقل فهل كان مختارًا في يمينه أم لا؟ وإذا كان مختارًا فهل استثنى عقيبَ يمينه أم لا؟ وإذا لم يستثنِ فهل فعَل المحلوفَ عليه عالمًا ذاكرًا مختارًا أم كان ناسيًا أو جاهلًا أو مُكرَهًا؟ وإذا كان عالمًا مختارًا فهل كان المحلوفُ عليه داخلًا في قصده ونيته، أو قصَد عدمَ دخوله، فخصَّصه بنيته، أو لم يقصد دخوله ولا نوى تخصيصه؟ فإنَّ الحِنثَ يختلف باختلاف ذلك كلِّه. ورأينا من مفتي العصر من بادر إلى التحنيث، فاستفصلنا (٢)، فوجدناه غيرَ حانث في مذهب من أفتاه؛ وقع ذلك مرارًا. فخطر المفتي عظيم، فإنه موقِّع عن الله ورسوله، زاعمٌ أن الله أمَر بكذا، وحرَّم كذا، وأوجب كذا.

ومن ذلك: أن يستفتيه عن الجمع بين الظهر والعصر مثلًا: هل يجوز له أن يفرِّق بينهما؟ فجوابه بتفصيل المسألتين، وأن الجمع إن كان في وقت الأولى لم يجُز التفريق، وإن كان في وقت الثانية جاز.

ومن ذلك أنه لو قال له: إن لم تُحرِقْ هذا المتاع أو تَهدِمْ هذه الدار أو


(١) كذا في ز، ك. يعني: «لا يفعل»، وكثيرًا ما يحذفون «لا» من جواب القسم إذا كان منفيًّا لعدم اللبس، فإنه لو كان مثبتًا وجب توكيده بالنون «ليفعلن». ومنه قول امرئ القيس من قصيدة في ديوانه (ص ٣٢):
فقلت يمين الله أبرح قاعدًا ... ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
يعني: لا أبرح. وفي ب والنسخ المطبوعة: «لا يفعل كذا وكذا».
(٢) في المطبوع: «فاستفصلناه».