للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمُرْسَلِينَ} [القصص: ٦٥]. ولا يُسأل أحدٌ قطُّ عن إمام ولا شيخ ولا متبوع غيره، بل يُسأل عمن اتبعه وائتمَّ به غيره، فلينظر بماذا يجيب؟ وليُعِدَّ للجواب صوابًا، وكأنْ قَدْ (١).

وسمعتُ شيخنا - رحمه الله - يقول: جاءني بعض الفقهاء من الحنفية فقال: أستشيرك في أمر. قلت: ما هو؟ قال: أريد أن أنتقل عن مذهبي. قلتُ له: ولم؟ قال: لأني أرى الأحاديث الصحيحة كثيرًا تخالفه. واستشرتُ في هذا بعضَ أئمة أصحاب الشافعي، فقال لي: ولو رجعتَ عن مذهبك لم يرتفع ذلك من المذهب، وقد تقرَّرت المذاهب، ورجوعك غير مفيد. وأشار عليَّ بعضُ مشايخ التصوف بالافتقار إلى الله، والتضرُّع إليه، وسؤال الهداية لما يحبُّه ويرضاه. فماذا تشير به أنت عليَّ؟ قال: فقلت له: اجعل المذهب ثلاثة أقسام: قسمٌ الحقُّ فيه ظاهرٌ بيِّن موافقٌ للكتاب والسنة، فاقضِ به، وأفتِ به طيِّبَ النفس منشرحَ الصدر. وقسمٌ مرجوحٌ، ومخالِفُه معه الدليل، فلا تُفْتِ


(١) يعني: وكأن قد متَّ، وقُبِرتَ, وسئلتَ. فأعِدَّ جوابَك! قال النابغة الذبياني من قصيدته المشهورة (ديوانه: ٨٩):
أفِد الترحُّل غير أنَّ ركابنا ... لمّا تزُل برحالنا وكأنْ قدِ

يعني: وكأن قد زالت. فهذا الأسلوب يدل على شدة القرب. وقد تقدَّم في هذا الكتاب نفسه قول المصنف: « ... ولابد من أحد الجوابين، وكأن قد». ولكن خفي السياق هنا على بعض الناشرين ــ فيما يظهر ــ فقرأ «وكان قد» موصولًا بما بعده: «وسمعتُ شيخنا»، فأشكل عليه، فحذف وغيَّر وأثبت: «وقد سمعت شيخنا»، وتابعه كلُّ من جاء بعده حتى محقق المطبوع الذي أثبت الصواب في الحاشية!