للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسأله - صلى الله عليه وسلم - أنس أن يشفع له، فقال: «إني فاعل». قال: فأين أطلبك يوم القيامة؟ قال: «اطلبني أولَ ما تطلبني على الصراط». قلت: فإذا لم ألقك على الصراط؟ قال: «فأنا على الميزان». قلت: فإن لم ألقك عند الميزان. قال: «فأنا عند الحوض، لا أخطئ هذه الثلاث مواطنَ يوم القيامة» (١). ذكرهما أحمد.

وسأله - صلى الله عليه وسلم - الحجاج بن عِلاط، فقال: إنَّ لي بمكة مالًا، وإنَّ لي بها أهلًا، وإنِّي أريد أن آتيهم، فأنا في حِلٍّ إن أنا نلتُ منك أو قلت شيئًا؟ فأذِن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول ما شاء. ذكره أحمد (٢).

وفيه دليل على أن الكلام إذا لم يُرد به قائلُه معناه، إما لعدم قصده (٣)، أو لعدم علمه به، أو أنه أراد به غيرَ معناه= لم يلزمه ما لم يُرده بكلامه. وهذا هو دين الله [٢٣٥/ب] الذي أرسل به رسوله. ولهذا لم يلزم المُكرَهَ على التكلُّم بالكفر الكفرُ، ولم يلزم زائلَ العقل بجنون أو نوم أو سكر ما تكلَّم به، ولم يلزم الحجاجَ بن عِلاط حكمُ ما تكلَّم به؛ لأنه أراد به غير معناه، ولم يعقد قلبه عليه. وقد قال تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: ٨٩]. وفي الآية الأخرى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ


(١) رواه أحمد (١٢٨٢٥)، والترمذي (٢٤٣٣)، والضياء المقدسي (٧/ ٢٤٦). قال الترمذي: حسن غريب. وقال محققو «المسند»: رجاله رجال الصحيح، ومتنه غريب.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) ك، ب: «قصده له»، وكذا في النسخ المطبوعة.