للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ} [المائدة: ١٠١ - ١٠٢].

وقد اختُلِف في هذه الأشياء المسؤول عنها: هل هي أحكام قدرية أو أحكام شرعية (١)؟ على قولين:

فقيل: إنها أحكام شرعية عفا الله عنها، أي سكت عن تحريمها، فيكون سؤالُهم عنها سببَ تحريمها، ولو لم يسألوا لكانت عفوًا. ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -، وقد سئل عن الحجِّ أفي كلِّ عام؟ فقال: "لو قلتُ نعم لَوجبَتْ، ذروني ما تركتُكم، فإنما أهلك الذين قبلكم كثرةُ مسائلهم واختلافُهم على أنبيائهم" (٢).

ويدل على هذا التأويل حديث أبي ثعلبة (٣) المذكور: "إنَّ من أعظمِ (٤) المسلمين في المسلمين جُرْمًا" الحديث.

ومنه الحديث الآخر: "إنَّ الله فرضَ فرائضَ فلا تضيِّعوها، وحدَّ حدودًا فلا تعتدُوها، وحرَّم أشياءَ فلا تنتهكوها. وسكتَ عن أشياء رحمةً من غير نسيان، فلا تبحثوا عنها" (٥).


(١) ت: "أحكام شرعية أو ... قدرية".
(٢) متفق عليه. وقد تقدم تخريجه قريبًا.
(٣) كذا وقع في النسخ الخطية والمطبوعة. وحديث أبي ثعلبة سيأتي عَقِبَه، أما هذا فهو من حديث سعد بن أبي وقاص، وقد تقدَّم قريبًا.
(٤) في النسخ المطبوعة: "إن أعظم".
(٥) رواه مسدد في "المسند"، وابن أبي شيبة في "المسند" [كما في "إتحاف الخيرة المهرة" للبوصيري (١/ ٤٢٣)، و"المطالب العالية" لابن حجر (١٢/ ٤١٦)]، وسُنيد ــ ومن طريقه ابن عبد البر في "الجامع" (٢٠١٢)، وابن حزم في "الإحكام" (٨/ ٢٤ - ٢٥) ــ، والطبراني في "المعجم الكبير" (٢٢/ ٢٢١)، وفي "مسند الشاميين" (٣٤٩٢)، وابن المقرئ في "المعجم" (٤٧١)، والدارقطني في "السنن" (٤٣٩٦)، وابن بطة في "الإبانة" (٣١٤)، وابن منده في "مجلس من أماليه" (٩)، والحاكم في "المستدرك" (٤/ ١١٥)، وأبو نعيم في "الحلية" (٩/ ١٧)، وابن حزم في "الإحكام" (٨/ ٢٤)، والبيهقي في "السنن الكبير" (١٠/ ١٢)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" (٢/ ١٦)، وابن عساكر في "معجمه" (٢/ ٩٦٥)، وقال: "هذا حديث غريب، ومكحول لم يسمع من أبي ثعلبة". وأغرب البوصيري فقال: "هذا إسنادٌ صحيح"! والصواب قول شيخِه ابن حجر في "المطالب": "رجاله ثقات، إلا أنه منقطع". ويُنظر: "العلل" للدارقطني (٦/ ٣٣٤)، و"جامع العلوم والحكم" لابن رجب (٢/ ١٥٠ - ١٥٢).