للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاضرِبْ له أمَدًا ينتهي إليه. فإن جاء (١) ببيِّنة أعطيتَه بحقِّه، وإن أعجزه ذلك استحللتَ عليه القضية، فإنَّ ذلك هو أبلغ في العذر، وأجلى للعَمى. ولا يمنعنَّك قضاءٌ قضيتَ به (٢) اليومَ، فراجعتَ فيه رأيَك، فهُدِيتَ فيه لرشدِك= أن تُراجِعَ فيه الحقَّ، فإنّ الحقَّ قديم ولا يبطله (٣) شيء؛ ومراجعةُ الحقِّ خيرٌ من التمادي في الباطل. والمسلمون عدولٌ بعضُهم على بعض، إلا مجرَّبًا عليه شهادةُ زور، أو مجلودًا في حدٍّ، أو ظَنِينًا في ولاء أو قرابة؛ فإنَّ الله تعالى تولَّى من العباد السرائر، وستَر عليهم الحدودَ إلا بالبينات والأيمان. ثم الفهمَ الفهمَ فيما أُدِليَ إليك مما ورد عليك مما ليس في قرآن ولا سنَّة، ثم قايِسِ الأمورَ عند ذلك، واعرِفِ الأمثال، ثم اعمِدْ فيما ترى إلى أحبِّها إلى الله وأشبَهِها بالحق. وإيَّاك والغضبَ، والقلقَ، والضجرَ، والتأذِّيَ بالناس، والتنكُّرَ عند الخصومة ــ أو الخصوم، شكَّ أبو عبيد ــ فإنَّ القضاءَ في مواطن الحقِّ مما يُوجِبُ الله به الأجر، ويُحسِنُ به الذكر.

فمن خلصت نيته في الحق، ولو على نفسه، كفاه الله ما بينه [٤٨/أ] وبين الناس. ومن تزيَّن بما ليس في نفسه شانَه اللهُ، فإنَّ الله تعالى لا يقبل من العباد إلا ما كان خالصًا، فما ظنُّك بثواب عند الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته. والسلام عليك ورحمة الله".

قال أبو عبيد: فقلتُ لكَثير: هل أسنده جعفر؟ قال: لا (٤).


(١) "جاء" ساقط من ع. وفي المطبوع: " [أحضر] بينة". وفي طبعة الشيخ محمد محيي الدين ومن تابعه: "بيَّنَه". وفي س: "ببيِّنته".
(٢) ع: "فيه"، وكذا في النسخ المطبوعة.
(٣) ف: "لا يبطله" دون واو العطف، وكذا في النسخ المطبوعة.
(٤) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٢١٢١٧) مختصرًا، والبيهقي في "السنن الكبير" (١٠/ ١٥٠)، وفي "معرفة السنن" (٧/ ٣٦٦ - ٣٦٧) ــ ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ مدينة دمشق" (٣٢/ ٧١) ــ من حديث جعفر بن برقان، عن معمر، عن أبي العوام به. ورواه وكيع القاضي في "أخبار القضاة" (١/ ٧٠ - ٧٣، ٢٨٣ - ٢٨٤)، والدارقطني في "السنن" (٤٤٧٢)، والبيهقي في "السنن الكبير" (١٠/ ١١٩)، وفي "السنن الصغير" (٣٢٥٩) ــ ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ مدينة دمشق" (٣٢/ ٧٢) ــ، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" (١/ ٤٩٢)، وابن الشجري في "الأمالي الخميسية" (٢/ ٣٢٦) من طرق عن ابن عيينة، عن إدريس الأودي به. وطرق هذا الخبر لا تخلو من ضعف، أو انقطاع، أو إعضال، لكن مجموعها ــ مع شهرة الأثر وانتشاره ــ يدلّ على أن له أصلا، خاصة مع اعتضاده بوجادة سعيد بن أبي بردة. وليُنظر "مسند الفاروق" لابن كثير (٢/ ٤٣٧)، و"التلخيص الحبير" لابن حجر (٤/ ٣٥٨)، و"إرواء الغليل" للألباني (٨/ ٢٤١ - ٢٤٢).