للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمّا المال المشهود به، فإنَّ [٥٧/أ] المدّعي إذا قال: أقرضتُه أو بعتُه أو أعرتُه، أو قال: غصَبني، أو نحو ذلك= فهذا أمرٌ لا يختصُّ بمعرفته المطلوب، ولا يتعلَّق بنيته وقصده، وليس مع المدَّعَى عليه من شواهد صدقه ما مع الزوج من بقاء عصمة النكاح، وإنما معه مجرَّدُ براءة الذمة، وقد عُهِد كثرة اشتغالها (١) بالمعاملات، فقوي الشاهد الواحد والنكول أو يمين الطالب على رفعها، فحُكِمَ له. فهذا كلُّه مما يبيِّن حكمة الشارع (٢)، وأنه يقضي بالبينة التي تبيِّن الحقَّ وهي الدليل الذي يدل عليه، والشاهد الذي يشهد به، بحسب الإمكان.

بل الحقُّ أنَّ الشاهد الواحد إذا ظهر صدقُه حُكِمَ بشهادته وحده (٣). وقد أجاز النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - شهادةَ الشاهد الواحد لأبي قتادة بقتل المشرك، ودفَع إليه سَلَبَه بشهادته وحده؛ ولم يحلِّف أبا قتادة، فجعله بينة تامة (٤). وأجاز شهادةَ خزيمة بن ثابت وحده بمبايعته للأعرابي، وجعل شهادته بشهادتين (٥) لما استندت إلى تصديقه - صلى الله عليه وسلم - بالرسالة المتضمِّنة تصديقَه في كلِّ ما يُخبر به. فإذا شهد المسلمون بأنه صادق في خبره عن الله، فبطريق الأولى يشهدون أنه صادق في خبره عن رجلٍ من أمته. ولهذا كان من تراجم


(١) ح، ف: "استعمالها"، تصحيف.
(٢) لفظ "الشارع" ساقط من ع.
(٣) انظر: "الطرق الحكمية" (١/ ١٩٥، ٣٣٣).
(٤) أخرجه البخاري (٣١٤٢) ومسلم (١٧٥١). وانظر: "زاد المعاد" (٥/ ٦٩).
(٥) رواه الإمام أحمد (٢١٨٨٣)، وأبو داود (٣٦٠٧)، والنسائي (٤٦٤٧) من حديث عمارة بن خزيمة، عن عمّه به، وسنده صحيح. وقد صححه الحاكم في "المستدرك" (٢/ ١٨).