للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن المسيبِّ أن عمر قال للذين شهدوا على المغيرة: توبوا تُقْبَلْ شهادتُكم، فتاب منهم اثنان، وأبى أبو بكرة أن يتوب، فكان عمر لا يقبل شهادته.

قالوا: والاستثناء عائد على جميع ما تقدَّمه سوى الحدِّ، فإنَّ المسلمين مُجْمِعون على أنه لا يسقط عن القاذف بالتوبة. وقد قال أئمة اللغة (١): إن الاستثناء يرجع إلى ما تقدَّم كلِّه. قال أبو عبيد في "كتاب القضاء" (٢): وجماعة أهل الحجاز ومكة على قبول شهادته. وأما أهل العراق فيأخذون بالقول الأول أن لا تُقبَل أبدًا. وكلا الفريقين إنما تأوَّلوا القرآن فيما نرى. والذين لا يقبلونها يذهبون إلى أن المعنى [٧١/ب] انقطع من عند قوله: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا}، ثم استأنف، فقال: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: ٤ - ٥]، فجعلوا الاستثناء من الفسق خاصّةً دون الشهادة. وأما الآخرون، فتأوَّلوا أنّ الكلام تبع بعضُه بعضًا على نسق واحد، فقال:

{وَلَا


(١) ليت المصنف ذكر بعضهم. فقد ذكر أبو حيان أنه لم ير من تكلم منهم على هذه المسألة ــ وهي الاستثناء الوارد بعد جمل متعاطفة ــ غير ابن مالك والمهاباذي. وقد أيَّد السيوطي قول أبي حيان، ثم ذكر في المسألة خمسة مذاهب، أولها مذهب ابن مالك، وهو عود الاستثناء إلى الجمل كلها. واختار أبو حيان أنه خاص بالجملة الأخيرة. انظر: "ارتشاف الضرب" (٣/ ١٥٢١) و"البحر المحيط" (٨/ ١٥) و"همع الهوامع" (٢/ ٢٦٣).
(٢) "كتاب القضاء" لأبي عبيد مفقود، ولكن انظر هذا المعنى بنحو هذا اللفظ بل بلفظ أقوى منه في "الناسخ والمنسوخ" له (ص ١٥٣ - ١٥٤).