وقال تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (٢٧) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (٢٨) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (٢٩) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (٣٠) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: ٢٤ - ٣١]. فجعل سبحانه نظره في إخراج طعامه من الأرض دليلًا على إخراجه هو منها بعد موته، استدلالًا بالنظير على النظير.
ومن ذلك: قوله سبحانه ردًّا على الذين قالوا: {أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا}: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ}[الإسراء: ٩٨ - ٩٩] أي مثلَ هؤلاء المكذِّبين. والمراد به النشأة الثانية، وهي الخلق الجديد، وهي المثل المذكور في غير موضع، وهم هم بأعيانهم. فلا تنافي في شيء من ذلك، بل هو الحقُّ الذي دلَّ عليه العقل والسمع. ومن لم يفهم ذلك حقَّ فهمه تخبَّط عليه أمرُ المعاد، وبقي منه في أمر مريج.
والمقصود: أنه دلَّهم سبحانه بخلق السموات والأرض على الإعادة والبعث. وأكَّد هذا القياس بضرب من الأَولى، وهو أنَّ خلقَ السموات [٨٥/ب] والأرض أكبرُ من خلق الناس، فالقادرُ على خلق ما هو أكبر وأعظم منكم أقدَرُ على خلقكم، وليس أول الخلق بأهون عليه من إعادته. فليس مع المكذبين بالقيامة إلا مجرَّد تكذيب الله ورسله، وتعجيز قدرته، ونسبة عمله إلى القصور، والقدح في حكمته. ولهذا يخبر الله سبحانه عمَّن أنكر ذلك بأنه كافر بربه، جاحد له، لم يُقِرَّ بربِّ العالمين فاطرِ السموات والأرض، كما قال تعالى: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ