للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثاني: أن يكون من التشبيه المفرَّق، فيقابَل كلُّ واحد من أجزاء الممثَّل بالممثَّل به. وعلى هذا فيكون قد شبَّه الإيمان والتوحيد في علوِّه وسعتِه وشرفِه بالسماء التي هي مصعَده ومهبِطه، فمنها يهبط إلى الأرض، وإليها يصعد منها. وشبَّه تاركَ الإيمان والتوحيد بالساقط من السماء إلى أسفل سافلين حيثُ (١) التضييقُ (٢) الشديدُ والآلامُ المتراكمةُ، والطيرَ التي (٣) تتخطَّف (٤) أعضاءه، وتُمزِّقه كلَّ ممزَّق [١٠٦/ب] بالشياطين التي يرسلها الله سبحانه عليه وتؤزُّه أزًّا، وتزعجه، وتقلقه إلى مظانِّ هلاكه. فكلُّ شيطان له مُزْعةٌ من دينه وقلبه، كما أنَّ لكلِّ طير مُزْعةً من لحمه وأعضائه. والريحُ التي تهوي به في مكان سحيق هو هواه (٥) الذي يحمله على إلقاء نفسه في أسفل مكان وأبعده من السماء.

فصل

ومنها: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا


(١) ع: "من حيث"، وكذا في النسخ المطبوعة.
(٢) في المطبوع: "الضيق".
(٣) في النسخ كلِّها: "الذي"، ولكن الفعلين بعده مؤنثان، وتأنيث الطير أكثر من تذكيره. وكذا "التي" في المطبوع. وقد ضُبط "الطيرُ" بالرفع في المطبوع تبعًا للشيخ محمد محيي الدين، والصواب أنه منصوب لعطفه على "تاركَ"، يعني: وشبَّه الطيرَ بالشياطين، وإن قلب المصنف التشبيه، إذ حقُّه أن يقول: وشبَّه الشياطينَ بالطير.
(٤) في النسخ المطبوعة: "تخطف".
(٥) في "الكشاف" أن الريح هي الشيطان، والطير المختطفة هي الأهواء التي تتوزع أفكاره.