للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القياس، فيبدي منازعه قياسًا آخر، ويزعم أنه هو القياس. وحججُ الله وبيِّناته لا تتعارض، ولا تتهافت.

قالوا: فلو جاز القول بالقياس في الدين لأفضى إلى وقوع الاختلاف الذي حذَّر منه الله (١) ورسوله. بل عامة الاختلاف بين الأمة إنما نشأ من جهة القياس، فإنه إذا ظهر لكلِّ واحد من المجتهدين قياسٌ مقتضاه نقيضُ حكم الآخر اختلفا، ولا بدَّ. وهذا يدل على أنه من عند غير الله من ثلاثة أوجه:

أحدها: صريحُ قوله: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: ٨٢].

الثاني: أنَّ الاختلاف سببه اشتباه الحق وخفاؤه، وهذا لعدم العلم الذي يميِّز بين الحق والباطل.

الثالث: أن الله سبحانه ذمَّ الاختلاف في كتابه، ونهى عن التفرق والتنازع، فقال: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: ١٣]. وقال: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران: ١٠٥]. وقال: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: ١٥٩].

وقال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: ٤٦].


(١) في النسخ المطبوعة: «حذَّر الله منه».