للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الواقفين، واعتبار ما فيه قربة. فإن الواقف إنما مقصوده بالوقف التقرُّبُ إلى الله، فتقرُّبه بوقفه كتقرُّبه بنذره، فإن العاقل لا يبذل ماله إلا لما فيه مصلحة عاجلة أو آجلة. والمرء في حياته قد يبذل ماله في أغراضه مباحة كانت أو غيرها، وقد يبذله فيما يقرِّبه إلى الله. وأما بعد مماته فإنما يبذله فيما يظن أنه يقرِّبه (١) إلى الله. ولو قيل له: «إن هذا المصرف لا يقرِّب إلى الله» أو «إن غيرَه أفضلُ وأحبُّ إلى الله منه وأعظم أجرًا» لبادر إليه. ولا ريب أن العاقل إذا قيل له: «إذا بذلتَ مالك في مقابلة هذا الشرط (٢) حصل لك أجر واحد، وإن تركتَه حصل لك أجران»، فإنه يختار ما فيه الأجر الزائد. فكيف إذا قيل له: «إن [١٨٨/ب] هذا لا أجر فيه البتة»؟ فكيف إذا قيل: «إنه مخالفٌ لمقصود الشارع، مضادٌّ له، يكرهه الله ورسوله»؟

وهذا كشرط العزوبيَّة (٣) مثلًا وتركِ النكاح، فإنه شرطٌ لترك واجبٍ أو سنّةٍ أفضل من صلاة النافلة وصومها أو سنة دون الصلاة والصوم، فكيف يلزم الوفاءُ بشرط تركِ الواجبات والسنن اتباعًا لشرط الواقف، وتركُ شرط الله ورسوله الذي قضاؤه أحقُّ وشرطه أوثق؟

يوضِّحه أنه لو شرَط في وقفه أن يكون على الأغنياء دون الفقراء كان


(١) ع: «تقرب». وفي النسخ المطبوعة: «يقرب».
(٢) ع: «هذه الشروط»، وكذا في المطبوع. والصواب ما أثبت من النسخ الأخرى، وكذا في الطبعات السابقة.
(٣) كذا وردت الكلمة في جميع النسخ، وستأتي مرة أخرى في هذا الكتاب. ولم تنص عليها كتب اللغة، وورودها عند ابن القيم يدل على أنها ليست من مولَّدات عهدنا هذا.