للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التي حكم فيها النبيَّان الكريمان داود وسليمان صلى الله عليهما وسلم، إذ حكما في الحرث الذي نفَشت فيه غنم القوم. والحَرْث هو البستان، وقد روي أنه كان بستان عنب، وهو المسمَّى بالكَرْم. والنفش: رعيُ الغنم ليلًا. فحكَم داود بقيمة المتلَف، فاعتبر الغنمَ، فوجدها [١٩٦/ب] بقدر القيمة، فدفعها إلى أصحاب الحرث؛ إما لأنه لم يكن لهم دراهم، وتعذَّر بيعها أو رضُوا (١) بدفعها ورضي أولئك بأخذها بدلًا عن القيمة. وأما سليمان فقضى بالضمان على أصحاب الغنم، وأن يضمَنوا ذلك بالمِثل بأن يعمُروا البستان حتى يعود كما كان. ولم يضيِّع عليهم مُغَلَّه من حينِ الإتلاف (٢) إلى حين العَود، بل أعطى أصحابَ البستان ماشيةَ أولئك ليأخذوا من نمائها بقدر نماء البستان، فيستوفوا من نماء غنمهم نظيرَ ما فاتهم من نماء حرثهم. وقد اعتبر النَّماءين، فوجدهما سواء. وهذا هو العلم الذي خصَّه الله به، وأثنى عليه بإدراكه.

وقد تنازع علماء المسلمين في مثل هذه القضية على أربعة أقوال:

أحدها: موافقة الحكم السليماني في ضَمان النَّفْش، وفي المثل. وهو الحق، وهو أحد القولين في مذهب أحمد، ووجه للشافعية والمالكية، والمشهور عندهم خلافه.

والقول الثاني: موافقته في ضمان النفش، دون التضمين بالمثل. وهذا هو المشهور من مذهب مالك والشافعي وأحمد.


(١) س: «ورضوا». وفي النسخ المطبوعة: «أو تعذَّر بيعها ورضوا».
(٢) في النسخ المطبوعة: «من الإتلاف»، فسقط منها لفظ «حين».