للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} [الأعراف: ١٦٤]، فأخبر أنهم أنكروا فعلَهم، وغضبوا عليهم. وإن لم يواجهوهم بالنهي، فقد واجههم به مَن أدَّى الواجب عنهم؛ فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، فلما قام به أولئك سقط عن الباقين، فلم يكونوا ظالمين بسكوتهم. وأيضًا فإنه (١) سبحانه إنما عذَّب الذين نَسُوا ما ذُكِّروا به، وعتَوا عما نُهوا عنه. وهذا لا يتناول الساكتين قطعًا. فلما بيَّن عكرمة لابن عباس أنهم لم يدخلوا في الظالمين المعذَّبين كساه بُردةً، وفرح به.

وقد قال عمر بن الخطاب للصحابة: ما تقولون في {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} السورة؟ قالوا: أمر الله نبيَّه إذا فَتَح عليه أن يستغفره. فقال لابن عباس: ما تقول أنت؟ قال: هو أجَلُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أعلَمَه إياه. فقال: ما أعلم منها غيرَ ما تعلم (٢). وهذا من أدقِّ الفهم وألطَفه، ولا يدركه كلُّ أحد. فإنه سبحانه لم يعلِّق الاستغفار بعمله (٣)، بل علَّقه بما يُحدثه هو سبحانه من نعمة، مِن فتحِه على رسوله ودخولِ الناس في دينه. وهذا ليس بسبب للاستغفار (٤)، فعُلِم أن سبب الاستغفار غيره، وهو حضور الأجل الذي من تمام نعمة الله على عبده توفيقُه للتوبة النصوح والاستغفار بين يديه (٥)، ليلقى ربه طاهرًا مطهَّرًا من كلِّ ذنب، فيقدَم عليه مسرورًا راضيًا مرضيًّا عنه.


(١) في النسخ المطبوعة: «فإن الله».
(٢) أخرجه البخاري (٤٢٩٤).
(٣) في المطبوع: «بعلمه»، وهو خطأ.
(٤) ت، ع: «الاستغفار».
(٥) يعني: بين يدي الأجل.