للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يجعل في طبيعة المغتذي من العدوان ما يضرُّه في دينه. فإذا اغتذى من لحوم الإبل وفيها تلك القوة الشيطانية، والشيطان خُلِق من نار، والنارُ تطفأ بالماء، هكذا جاء الحديث، ونظيره الحديث الآخر: «إن الغضب من الشيطان، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ» (١) = فإذا توضأ العبد من لحوم الإبل كان في وضوئه ما يطفئ تلك القوة الشيطانية، فتزول تلك المفسدة.

ولهذا أمرنا بالوضوء مما مسَّت النار، إما إيجابًا منسوخًا، وإما استحبابًا غيرَ منسوخ. وهذا الثاني أظهر لوجوه. منها: أن النسخ لا يصار إليه إلا عند تعذُّر الجمع بين الحديثين. ومنها: أن رواة أحاديث الوضوء بعضُهم متأخر الإسلام كأبي هريرة. ومنها: أن المعنى الذي أمَر (٢) بالوضوء لأجله منها هو اكتسابها من القوة النارية، وهي مادة الشيطان التي خُلِق منها، والنار تطفأ بالماء، وهذا المعنى موجود فيها. وقد ظهر اعتبار نظيره في الأمر بالوضوء من الغضب. ومنها: أن أكثر ما مع من ادعى النسخ أنه ثبت في أحاديث صحيحة كثيرة أنه - صلى الله عليه وسلم -[٢٤٣/أ] أكل مما مسَّت النار، ولم يتوضأ (٣). وهذا إنما يدل على عدم وجوب الوضوء، لا على عدم استحبابه، فلا تنافي بين أمره وفعله. وبالجملة فالنسخ إنما يصار إليه عند التنافي، وتحقُّق التاريخ،


(١) رواه أحمد (١٧٩٨٥)، وأبو داود (٤٧٨٤) من حديث عطية السعدي مرفوعا، وفي سنده ضعفٌ وجهالة. وله شاهدٌ واهٍ جدًّا، رواه اللالكائي في «شرح أصول الاعتقاد» (٢٧٧٥)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (٢/ ١٣٠) من حديث معاوية مرفوعا، وآفتُه ياسين بن معاذ الزيّات، قال أبو داود: «متروك الحديث ضعيف، وهو ببيع الزيت أعلم منه بالعلم»!
(٢) في النسخ المطبوعة: «أمرنا».
(٣) منها حديث ابن عباس، أخرجه البخاري (٢٠٧) ومسلم (٣٥٤).