للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليس في القرآن ولا في السنة ذكر فساد إجارة شبه هذه الإجارة. ومنشأ وهمهم ظنُّهم أن مورد عقد الإجارة لا يكون إلا منافع هي أعراض قائمة بغيرها، لا أعيان قائمة بنفسها. ثم افترق هؤلاء فرقتين:

فقالت فرقة: إنما احتملناها على خلاف القياس لورود النص، فلا نتعدَّى محلَّه.

وقالت فرقة: بل نخرجها على ما يوافق القياس، وهو كون المعقود عليه أمرًا غير اللبن، بل هو إلقامُ الصبيِّ الثديَ، ووضعُه في حجر المرضعة، ونحو ذلك من المنافع التي هي مقدمات الرضاع، واللبن يدخل تبعًا غيرَ مقصود بالعقد. ثم طردوا ذلك في مثل ماء البئر والعيون التي في الأرض المستأجرة، وقالوا: يدخل ضمنًا وتبعًا. فإذا وقعت الإجارة على نفس العين والبئر لسقي الزرع والبستان قالوا: إنما وردت الإجارة على مجرَّد إدلاء الدلو في البئر وإخراجه، وعلى مجرَّد إجراء العين في أرضه؛ مما هو قلبُ الحقائق، وجعلُ المقصود وسيلةً، والوسيلةِ مقصودةً؛ إذ من المعلوم أن هذه الأعمال إنما هي وسيلة إلى المقصود بعقد الإجارة، وإلا فهي بمجردها ليست مقصودة، ولا معقودًا عليها. ولا قيمة لها أصلًا، وإنما هي كفتح الباب وكقَود الدابة (١) لمن اكترى دارًا أو دابةً.

ونحن نتكلَّم على هذين الأصلين الباطلين: على أصل من جعل الإجارة على خلاف القياس، وعلى أصل من جعل إجارة الظئر ونحوها على خلاف القياس، فنقول [٢٤٧/أ] وبالله التوفيق.


(١) في «مجموع الفتاوى» (٢٠/ ٥٣٢): «كصعود الدابة»، ولعله تحريف.