للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالمفقود المنقطع خبره، إن قيل: إن امرأته تبقى إلى أن يُعلمَ خبرُه= بقيَتْ لا أيِّمًا ولا ذات زوج إلى أن تبقى من القواعد أو تموت. والشريعة لا تأتي بمثل هذا. فلما أُجِّلت أربع سنين ولم يُكشفَ خبرُه حُكِم بموته ظاهرًا.

فإن قيل: يسوغ للإمام أن يفرِّق بينهما للحاجة، فإنما ذلك بعد اعتقاد موته، وإلا فلو علمت حياته لم يكن مفقودًا. وهذا كما ساغ التصرُّفُ في الأموال التي تعذَّر معرفةُ أصحابها، فإذا قدِم الرجل تبيَّنَّا أنه كان حيًّا، كما إذا ظهر صاحب المال، والإمام قد تصرَّف في زوجته [٢٦٦/ب] بالتفريق، فيبقى هذا التفريق موقوفًا على إجازته. فإن شاء أجاز ما فعله الإمام، وإن شاء ردَّه. وإذا أجازه صار كالتفريق المأذون فيه. ولو أذن للإمام أن يفرِّق بينهما ففرَّق وقعت الفرقة بلا ريب، وحينئذ فيكون نكاح الثاني صحيحًا. وإن لم يُجِزْ ما فعله الإمام كان التفريق باطلًا، فكانت باقية على نكاحه فتكون زوجته؛ فكان القادم مخيَّرًا بين إجازة ما فعله الإمام وردِّه. وإذا أجاز فقد أخرج البُضْع عن ملكه.

وخروجُ البضع من ملك الزوج متقوِّم عند الأكثرين كمالك والشافعي وأحمد في أنَصِّ الروايتين. والشافعي يقول: هو مضمون بمهر المثل. والنزاع بينهم فيما إذا شهد شاهدان أنه طلَّق امرأته، ثم رجعا عن الشهادة. فقيل: لا شيء عليهما، بناء على أن خروج البضع من ملك الزوج ليس بمتقوِّم. وهذا قول أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين اختارها متأخرو أصحابه كالقاضي أبي يعلى وأتباعه. وقيل: عليهما مهر المثل. وهو قول الشافعي، وهو وجه في مذهب أحمد. وقيل: عليهما المسمَّى، وهو مذهب مالك. وهو أشهر في نصِّ أحمد (١)، وقد نصَّ على ذلك فيما إذا أفسد نكاح امرأته برضاع أنه يرجع بالمسمَّى. والكتاب والسنة يدلان على هذا القول، فإن الله تعالى قال: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ [٢٦٧/أ] حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠) وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: ١٠ - ١١]. وهذا هو المسمَّى دون مهر المثل. وكذلك (٢) أمر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - زوج المختلعة أن يأخذ ما أعطاها دون مهر المثل (٣). وهو سبحانه إنما يأمر في


(١) ع: «مذهب أحمد». وفي «مجموع الفتاوى» (٢٠/ ٥٧٩): «نصوص أحمد».
(٢) ت: «ولذلك»، وكذا في النسخ المطبوعة.
(٣) رواه أحمد (٢٧٤٤٤)، وأبو داود (٢٢٢٧)، والنسائي (٣٤٦٢) من حديث حبيبة بنت سهل مرفوعا. وصححه ابن حبان (١٣٩٣).