للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا المأثور عن عمر في مسألة المفقود. وهو عند طائفة من الفقهاء من أبعد الأقوال عن القياس، حتى قال بعض الأئمة: لو حكَم به حاكمٌ نُقِضَ حكمُه. وهو مع هذا أصحُّ الأقوال وأجراها (١) في القياس، وكلُّ قول قيل سواه فهو خطأ. فمن قال: إنها تعاد إلى الأول بكلِّ حال، أو تكون مع الثاني بكلِّ حال= فكلا القولين خطأ، إذ كيف تعاد إلى الأول، وهو لا يختارها ولا يريدها، [٢٦٨/أ] وقد فُرِّق بينه وبينها تفريقًا سائغًا في الشرع، وأجاز هو ذلك التفريق؟ فإنه وإن تبيَّن للإمام أن الأمر بخلاف ما اعتقده، فالحقُّ في ذلك للزوج. فإذا أجاز ما فعله الإمام زال المحذور.

وأما كونها زوجةَ الثاني بكلِّ حال مع ظهورِ زوجها وتبيُّنِ أن الأمر بخلاف ما فعل الإمام، فهو خطأ أيضًا، فإنه مسلمٌ لم يفارق امرأته، وإنما فُرِّق بينهما بسببٍ ظهر أنه لم يكن كذلك، وهو يطلب امرأته، فكيف يُحال بينه وبينها؟ وهو لو طلب ماله أو بدله رُدَّ إليه فكيف لا تُردُّ إليه امرأته، وأهلُه أعزُّ عليه من ماله؟

وإن قيل: حقُّ الثاني تعلَّق بها. قيل: حقُّه سابق على حقِّ الثاني، وقد ظهر انتقاض السبب الذي به استحقَّ الثاني أن تكون زوجة له. وما الموجب لمراعاة حقِّ الثاني دون الأول؟

فالصواب ما قضى به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. ولهذا تعجَّب أحمد ممن خالفه. وإذا (٢) ظهر صحةُ ما قاله الصحابة وصوابُه في مثل هذه المشكلات التي خالفهم فيها مثلُ أبي حنيفة ومالك والشافعي،


(١) في النسخ المطبوعة: «أحراها» بالحاء المهملة، وهو تصحيف.
(٢) ع: «فإذا» بإهمال الفاء. وكذا في النسخ المطبوعة.