للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما إذا حلف يمينًا مجرَّدةً لَيفعلنَّ كذا، فهذا حضٌّ منه لنفسه، وحثٌّ على فعله باليمين، وليس إيجابًا عليها. فإن اليمين لا توجب شيئًا ولا تحرِّمه، ولكن الحالف عقَد اليمين بالله لَيفعلنَّه، فأباح الله سبحانه له حلَّ ما عقَده بالكفارة، ولهذا سمَّاها (١) «تحِلَّة»، فإنها تَحُلُّ عقدَ اليمين، وليست رافعةً لإثم الحنث، كما يتوهَّمه بعض الفقهاء، فإن الحنث قد يكون واجبًا، وقد يكون مستحبًّا، فيؤمر به أمر إيجاب أو استحباب. وإن كان مباحًا، فالشارع لا يبيح (٢) سببَ الإثم، وإنما شرعها الله حلًّا لعقد اليمين، كما شرع (٣) الاستثناء مانعًا من عقدها.

فظهر الفرق بين ما التزم لله، وبين ما التزم بالله. فالأول ليس فيه إلا الوفاء، والثاني يخيَّر فيه بين الوفاء وبين الكفارة حيث يسوغ ذلك.

وسرُّ هذا أن ما التزم له آكد مما التزم به؛ فإن الأول متعلِّق بإلهيته، والثاني بربوبيته. فالأول من أحكام {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}، والثاني من أحكام {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}. و {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} قسيم (٤) الله من هاتين الكلمتين، و {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قسيم العبد، كما في الحديث الصحيح الإلهي: «هذه بيني وبين عبدي نصفين» (٥). وبهذا يخرج الجواب عن إيراد هذا السؤال على


(١) في النسخ المطبوعة زيد بعده لفظ الجلالة.
(٢) في النسخ المطبوعة: «لم يبح».
(٣) زيد بعده لفظ الجلالة في النسخ المطبوعة.
(٤) القسيم: الحظ والنصيب. وفي ت، ع: «قسم»، وكذا في النسخ المطبوعة.
(٥) أخرجه مسلم (٣٩٥) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.