للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه الثاني، وهو (١) أنَّ ما نذرَه لله من هذه الطاعات يجب الوفاء به، وما أخرجه مخرج اليمين يخيَّر بين الوفاء به وبين التكفير؛ لأن الأول متعلِّق بإلهيته، والثاني بربوبيته؛ فوجب الوفاء بالقسم الأول، ويخيَّر الحالف في القسم الثاني. وهذا من أسرار الشريعة، وكمالها وعظمتها.

ويزيد ذلك وضوحًا: أن الحالف بالتزام هذه الواجبات قصدُه أن لا تكون. ولكراهيته (٢) للزومها له حلَف بها، فقصدُه أن لا يكون الشرط فيها ولا الجزاء، ولذلك يسمَّى نذرَ اللَّجاج والغضب. فلم يُلزمه الشارعُ به إذا كان غير مريد له ولا متقرِّب به إلى الله. فلم يعقدِه لله، وإنما عقَده به، فهو يمين محضة. فإلحاقُه بنذر القربة إلحاقٌ له بغير شِبْهِه، وقطعٌ له عن الإلحاق بنظيره. وعذرُ من ألحقه بنذر القربة شَبَهُه به في اللفظ والصورة، ولكن الملحقون له باليمين أفقه وأرعى لجانب المعاني. وقد اتفق الناس على أنه لو قال: «إن فعلتُ كذا فأنا يهودي أو نصراني»، فحنَث أنه لا يكفر بذلك (٣)؛ لأنَّ قَصْدَ اليمين منَعَ من الكفر.

وبهذا وغيره احتجَّ شيخُ الإسلام ابن تيمية على أن [٣١٩/أ] الحلف بالعتاق والطلاق (٤) كنذر اللَّجاج والغضب، وكالحلف بقوله: «إن فعلتُ فأنا يهودي أو نصراني» (٥)، وحكاه إجماعَ الصحابة في العتق، وحكاه غيرُه


(١) «هو» ساقط من النسخ المطبوعة.
(٢) في النسخ المطبوعة: «ولكراهته».
(٣) في النسخ المطبوعة بعده زيادة: «إن قصد اليمين».
(٤) في النسخ المطبوعة: «بالطلاق والعتاق».
(٥) انظر: «مجموع الفتاوى» (٣٣/ ١٤١).