للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا تأملتَ ما حُرِّم فيه النساء رأيته إما صنفًا واحدًا أو صنفين مقصودهما واحد أو [٣٣٥/ب] متقارب، كالدراهم والدنانير، والبُرِّ والشعير، والتمر والزبيب. فإذا تباعدت المقاصد لم يحرَّم النَّساء كالبُرِّ والثياب والحديد والزيت.

يوضِّح ذلك: أنه لو مُكِّن من بيع مُدِّ حنطةٍ بمُدَّين كان ذلك تجارة حاضرة، فتطلب النفوس التجارة المؤخرة للذة الكسب وحلاوته؛ فمُنِعوا من ذلك حتى مُنِعوا من التفرُّق قبل القبض إتمامًا لهذه الحكمة، ورعايةً لهذه المصلحة؛ فإن المتعاقدين قد يتعاقدان على الحلول، والعادة جارية بصبر أحدهما على الآخر، وكما يفعل أرباب الحيل: يطلقون العقدَ وقد تواطؤوا على أمر آخر، كما يطلقون عقدَ النكاح وقد اتفقوا على التحليل، ويطلقون بيعَ السِّلعة إلى أجل وقد اتفقوا على أنه يعيدها إليه بدون ذلك الثمن. فلو جُوِّز لهم التفرقُ قبل القبض لأطلقوا البيع حالًّا وأخَّروا الطلب لأجل الربح، فيقعوا في نفس المحذور.

وسرُّ المسألة: أنهم مُنِعوا من التجارة في الأثمان بجنسها، لأن ذلك يُفسِد عليهم مقصود الأثمان؛ ومُنعوا من التجارة في الأقوات بجنسها، لأن ذلك يُفسِد عليهم مقصودَ الأقوات. وهذا المعنى بعينه موجود في بيع التبر والعين، لأن التِّبر ليس فيه صنعة يُقصَد لأجلها، فهو بمنزلة الدراهم التي قصد الشارع ألا يفاضَل بينها، ولهذا قال: «تِبرُها وعينُها سواء» (١).


(١) رواه أبو داود (٣٣٤٩)، والنسائي (٤٥٦٤) من حديث عبادة بن الصامت مرفوعا.
وأصلُ الحديثِ عند مسلم (١٥٨٧) دُونَ محلِّ الشاهدِ.
ويُنظر: «المجتبى» للنسائي (٤٥٦٠ - ٤٥٦٣)، و «السنن الكبرى» له (٦١٠٧ - ٦١١٢)، و «السنن الكبير» للبيهقي (٥/ ٢٧٦ - ٢٧٧)، و «المتفق والمفترق» للخطيب (٣/ ١٩١٠ - ١٩١٥)، و «تحفة الأشراف» للمزي (٤/ ٢٤٩).