للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمشقة ما تنفيه (١) الشريعة، فإن أكثر الناس ليس عندهم ذهب يشترون به ما يحتاجون إليه من ذلك، والبائعُ لا يسمح ببيعه ببُرٍّ وشعير وثياب، وتكليفُ الاستصناع (٢) لكلِّ من احتاج إليه إما متعذِّر أو متعسِّر، والحيل باطلة في الشرع. وقد جوَّز الشارعُ بيعَ الرطب بالتمر لشهوة الرطب (٣)، وأين هذا من الحاجة إلى بيع المصوغ الذي تدعو الحاجة إلى بيعه وشرائه؟ فلم [٣٣٦/ب] يبق إلا جواز بيعه كما تباع السلع. فلو لم يجُز بيعُه بالدراهم فسدت مصالح الناس.

والنصوص الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس فيها ما هو صريح في المنع، وغايتها أن تكون عامّة أو مطلقة، ولا يُنكَر تخصيصُ العامِّ وتقييدُ المطلق بالقياس الجلي. وهي بمنزلة نصوص وجوب الزكاة في الذهب والفضة، والجمهور يقولون: لم تدخل في ذلك الحلية، ولا سيَّما فإن لفظ النصوص في الموضعين قد ذكر تارةً بلفظ الدراهم والدنانير كقوله: «الدرهم بالدرهم والدينار بالدينار» (٤)، وفي الزكاة قوله: «في الرِّقَة ربعُ العشر» (٥) والرِّقة: هي الوَرِق، وهي الدراهم المضروبة، وتارةً بلفظ الذهب والفضة. فإن حُمِل المطلَق على المقيَّد كان نهيًا عن الربا في النقدين وإيجابًا للزكاة فيهما، ولا يقتضي ذلك نفيَ الحكم عن جملة ما عداهما. بل فيه تفصيل، فتجب الزكاة


(١) في النسخ المطبوعة: «تتقيه».
(٢) ف، ع: «الاستصياغ»، تصحيف.
(٣) يعني الترخيص في العرايا، وقد سبق تخريج حديث العرايا.
(٤) أخرجه مسلم (١٥٨٨) من حديث أبي هريرة.
(٥) تقدَّم تخريجه.