للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والذي يُقضَى منه العجب مبالغتُهم في ربا الفضل أعظم مبالغة، حتى منعوا بيعَ رطل زيت برطل زيت، وحرَّموا بيعَ الكُسْب (١) بالسِّمسم، وبيعَ النَّشا بالحنطة، وبيعَ الخلِّ بالزبيب، ونحو ذلك؛ وحرَّموا بيعَ مدِّ حنطة ودرهم بمُدٍّ ودرهم وجاؤوا إلى ربا النسيئة، ففتحوا للتحيُّل عليه كلَّ باب، فتارةً بالعِينة، وتارةً بالمحلِّل، وتارة بالشرط المتقدِّم المتواطأ عليه، ثم يطلقون العقد من غير اشتراط، وقد علِم الله والكرام الكاتبون والمتعاقدان ومَن حضر أنه عقدُ ربا، مقصودُه وروحُه بيعُ خمسة عشر مؤجَّلةً بعشرة نقدًا ليس إلا، ودخول السلعة كخروجها حرفٌ جاء لمعنى في غيره، فهلَّا فعلوا هاهنا كما فعلوا في مسألة «مُدُّ عَجْوة ودرهم بمُدٍّ ودرهم»!

[٣٣٨/أ] وقالوا: قد يُجعَل وسيلةً إلى ربا الفضل بأن يكون المُدُّ في أحد الجانبين يساوي بعض المُدِّ في الجانب الآخر، فيقع التفاضل. فيا لله العجب! كيف حُرِّمت هذه الذريعةُ إلى ربا الفضل، وأبيحت تلك الذرائع القريبة الموصلة إلى ربا النسيئة بحتًا خالصًا؟ وأين مفسدةُ بيع الحلية


(١) غُيِّر في المطبوع إلى «الكشك» دون مسوِّغ. والذي في النسخ الخطية والمطبوعة صحيح. في «تهذيب اللغة» (١٠/ ٧٩) عن الليث أن «الكُسْب: الكُنجارَق» وأن «بعض السواديين يسمونه الكُسْبج». قال الأزهري: «الكُسْبَج معرَّب، وأصله بالفارسية كُشْب، فقلبت الشين سينًا». قلت: إن كان الأزهري سمعه بالشين في بلده، فيكون لغة فيه كالكُزْب بالزاي. وهو بالفارسية الحديثة: كُسْبه، وأصله بالفهلوية: كُسْبَك، بالكاف الفارسية، ومنه عُرّب بالجيم. والكنجارَق بالفارسية الحديثة كنجاره. وكلاهما بمعنى ثُفْل الدهن. انظر: «برهان قاطع» (٣/ ١٦٤٢، ١٧٠٢) و «المعرب» للجواليقي (ص ٥٤٣ - ٥٤٤).