للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجوه. [٣٤٠/ب] فإنَّ الإحدادَ على الميت من تعظيم مصيبة الموت التي كان أهلُ الجاهلية يبالغون فيها أعظمَ مبالغة، ويُضيفون إلى ذلك شقَّ الجيوب، ولطمَ الخدود، وحلقَ الشعور، والدعاءَ بالويل والثبور. وتمكُث المرأة سنةً في أضيق بيت وأوحشه لا تمَسُّ طيبًا ولا تدَّهن ولا تغتسل، إلى غير ذلك مما هو تسخُّطٌ (١) على الربِّ تعالى وأقداره. فأبطل الله سبحانه برحمته ورأفته سنَّة الجاهلية، وأبدَلَنا بها الصبرَ والحمدَ والاسترجاعَ الذي هو أنفع للمُصاب في عاجلته وآجلته. ولما كانت مصيبةُ الموت لا بد أن تُحدِث للمصاب من الجزع والألم والحزن ما تتقاضاه الطباعُ سمَح لها الحكيمُ الخبيرُ في اليسير من ذلك، وهو ثلاثة أيام يجد بها نوعَ راحةٍ، ونقضي (٢) بها وطرًا من الحزن؛ كما رخَّص للمهاجر أن يقيم بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثًا. وما زاد على الثلاث فمفسدته راجحة، فمنَع منه؛ بخلاف مفسدة الثلاث فإنها مرجوحة مغمورة بمصلحتها. فإن فطام النفوس عن مألوفاتها بالكلِّية من أشقِّ الأمور عليها، فأُعطيت بعضَ الشيء ليسهل عليها تركُ الباقي، فإن النفس إذا أخذت بعضَ مرادها قنِعت به، فإذا سئلت تركَ الباقي كانت إجابتُها إليه أقربَ من إجابتها لو حُرِمَتْه بالكلِّية.

ومَن تأمَّل أسرارَ الشريعة وتدبَّر حِكَمَها رأى ذلك ظاهرًا على صفحات أوامرها ونواهيها، باديًا لمن بصرُه ثاقب (٣)؛ فإذا حرم عليهم شيئا عوَّضهم


(١) في المطبوع: «سخَط».
(٢) قراءة النسخ المطبوعة: «تجد ... وتقضي».
(٣) في ح بالباء والقاف، وفي ع: «باقية». وفي ف: «ثاقبة». وفي ت: «نافذ». وفي النسخ المطبوعة: «نظره نافذ».