الكتابي لم يحتقِن دمه؛ فلا وجهَ لتحريمه. وهذا غلط وجهل، فإن علَّة التحريم [٣٤٥/أ] لو انحصرت في احتقان الدم لكان للسؤال وجه. فأما إذا تعددت عللُ التحريم لم يلزم من انتفاء بعضها انتفاءُ الحكم إذا خلَفَه علّةٌ أخرى. وهذا أمر مطرد في الأسباب والعلل العقلية، فما الذي ينكر منه في الشرع؟
فإن قيل: أليس قد سوَّت الشريعة بينهما في كونهما ميتةً، وقد اختلفا في سبب الموت، فتضمَّنت جمعَها بين مختلفين، وتفريقَها بين متماثلين؟ فإن الذبح واحد صورةً وحسًّا وحقيقةً، فجعلت بعضَ صوره مُخْرِجًا للحيوان عن كونه ميتةً، وبعضَ صوره مُوجِبًا لكونه ميتةً، من غير فرق.
قيل: الشريعة لم تسوِّ بينهما في اسم الميتة لغةً، وإنما سوَّت بينهما في الاسم الشرعي؛ فصار اسمُ الميتة في الشرع أعمَّ منه في اللغة. والشارع يتصرَّف في الأسماء اللغوية بالنقل تارةً، وبالتعميم تارةً، وبالتخصيص تارة. وهكذا يفعل أهلُ العرف. فهذا ليس بمنكر شرعًا ولا عرفًا.
وأما الجمعُ بينهما في التحريم، فلأن الله سبحانه حرَّم علينا الخبائث، والخبثُ الموجِبُ للتحريم قد يظهر لنا وقد يخفى، فما كان ظاهرًا لم ينصِب عليه الشارع علامةً غير وصفه، وما كان خفيًّا نصَب عليه علامةً تدل على خبثه. فاحتقانُ الدم في الميتة سبب ظاهر، وأما ذبيحة المجوسي والمرتدِّ وتاركِ التسمية ومَن أهلَّ بذبيحته لغير الله، فنفسُ ذبيحة هؤلاء أكسبَت المذبوحَ خبثًا أوجَبَ تحريمَه. ولا يُنكِر أن يكون ذكرُ اسم الأوثان والكواكب والجنّ على الذبيحة يُكْسِبها خبثًا، وذكرُ اسمِ [٣٤٥/ب] الله وحده يُكْسِبها طِيبًا، إلا مَن قلَّ نصيبُه من حقائق العلم والإيمان وذوق الشريعة. وقد جعل الله سبحانه ما لم