للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ليس على الجاهل، وعليه من عبودية الصبر على ذلك ما ليس على غيره. وعلى الحاكم من عبودية إقامةِ الحقِّ وتنفيذِه، وإلزامِ مَن (١) عليه به، والصبرِ على ذلك، والجهاد عليه= ما ليس على المفتي. وعلى الغني من عبودية أداء الحقوق التي في ماله ما ليس على الفقير. وعلى القادر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بيده ولسانه ما ليس على العاجز عنهما.

وتكلَّم يحيى بن معاذ الرازي يومًا في الجهاد والأمر بالمعروف والنهي [٣٤٧/ب] عن المنكر، فقالت له امرأة: هذا واجب قد وُضِعَ عنَّا. فقال: هبي (٢) أنه قد وُضِعَ عنكنَّ سلاحُ اليد واللسان، فلم يُوضَع عنكن سلاحُ القلب. فقالت: صدقتَ، جزاك الله خيرًا.

وقد غرَّ إبليسُ أكثرَ الخلق بأن حسَّن لهم القيامَ بنوعٍ من الذكر والقراءة والصلاة والصيام والزهد في الدنيا والانقطاع، وعطَّلوا هذه العبوديات، فلم يحدِّثوا قلوبَهم بالقيام بها. وهؤلاء عند ورثة الأنبياء من أقلِّ الناس دينًا، فإن الدين هو القيام لله بما أمر به. فتاركُ حقوق الله التي تجب عليه أسوأُ حالًا عند الله ورسوله من مرتكب المعاصي؛ فإنَّ تركَ الأمر أعظم من ارتكاب النهي من أكثر من ثلاثين وجهًا ذكرها شيخنا (٣) في بعض تصانيفه (٤).


(١) في النسخ المطبوعة: «وإلزامه من هو».
(٢) في النسخ: «هب»، والمثبت من النسخ المطبوعة.
(٣) زيد بعده الترحُّم على الشيخ في النسخ المطبوعة.
(٤) في «مجموع الفتاوى» (٢٠/ ٨٥ - ١٥٨): «قاعدة في أن جنس فعل المأمور به أعظم من جنس ترك المنهي عنه ... »، وتكلم عليها من اثنين وعشرين وجهًا، والظاهر أن الرسالة ناقصة من آخرها. والمصنف أيضًا استدلَّ عليها باثنين وعشرين وجهًا في كتابه «الفوائد» (ص ١٧١ - ١٨٥)، فليقارن.