للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن له خبرةٌ بما بعث الله به رسولَه وبما كان عليه هو وأصحابه رأى أنَّ أكثرَ من يشار إليهم بالدين هم أقلُّ الناس دينًا، والله المستعان.

وأيُّ دين وأيُّ خير فيمن يرى محارمَ الله تُنتهَك، وحدودَه تُضاعُ، ودينَه يُترَك، وسنَّةَ رسوله (١) يُرغَب عنها؛ وهو بارد القلب، ساكت اللسان، شيطان أخرس؟ كما أن المتكلِّم بالباطل شيطان ناطق، وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سَلِمت لهم مآكلُهم ورياساتُهم فلا مبالاةَ بما جرى على الدين؟ وخيارهم المتحزِّن المتلمِّظ (٢). ولو نُوزِع في بعض ما فيه غضاضةٌ عليه في جاهه أو ماله بذَل وتبذَّل وجدَّ واجتهَد، واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعه. وهؤلاء ــ مع سقوطهم من عين الله، ومقتِ [٣٤٨/أ] الله لهم ــ قد بُلُوا في الدنيا بأعظم بليَّةٍ تكون، وهم لا يشعرون. وهو موت القلوب، فإن القلب كلما كانت حياته أتمَّ كان غضبُه لله ورسوله أقوى، وانتصارُه للدين أكمل.

وقد ذكر الإمام أحمد وغيره أثرًا: أنَّ اللهَ سبحانه أوحى إلى مَلَكٍ من الملائكة أن اخسفْ بقرية كذا وكذا. فقال: يا ربِّ كيف وفيهم فلانٌ العابدُ؟ فقال: به فابدأْ، فإنه لم يتمعَّرْ وجهُه فيَّ يومًا قطُّ (٣).


(١) في النسخ المطبوعة: «رسول الله - صلى الله عليه وسلم -».
(٢) هو الذي يتتبع ما بقي من الطعام في فمه ويتذوقه.
(٣) رواه ابن الأعرابي في «المعجم» (٢٠١٦)، والطبراني في «الأوسط» (٧٦٦١)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٧١٨٩) من حديث جابر - رضي الله عنه -. ولا يصحُّ لأنَّ عبيد بن إسحاق العطار، وعمارَ بن سيف متكلمٌ فيهما، والحديث ضعفه البيهقي، وقال: «المحفوظ من قول مالك بن دينار» وضعفه أيضًا العراقي والألباني. انظر: «المغني عن حمل الأسفار» (ص:٧٨٦)، و «السلسلة الضعيفة» (٤/ ٣٧٦)، والأثر ورد موقوفًا عند البيهقي في «الشعب» (٧١٨٨) من قول مالك بن دينار وهو المحفوظ كما تقدم.