للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال (١): يقال لمن حكم بالتقليد: هل لك من حجةٍ فيما حكمتَ به؟

فإن قال: «نعم» بطل التقليد؛ لأن الحجة أوجبتْ ذلك عنده لا التقليد.

وإن قال: «حكمتُ به بغير حجة»، قيل له: فلِمَ أرقْتَ الدِّماء وأبحتَ الفروج وأتلفتَ الأموال، وقد حرَّم الله ذلك إلا بحجة؟ قال الله عز وجل: {إِنْ (٢) ... عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا} [يونس: ٦٨] أي من حجةٍ بهذا.

فإن قال: «أنا أعلمُ أني قد أصبتُ وإن لم أعرف الحجة، لأنّي قلَّدتُ كبيرًا (٣) من العلماء وهو لا يقول إلا بحجةٍ خفيتْ عليّ». قيل له: إذا جاز تقليدُ معلِّمك لأنه لا يقول إلا بحجةٍ خفيتْ عليك فتقليدُ معلِّم معلِّمِك أولى؛ لأنه لا يقول إلا بحجةٍ خفيتْ على معلِّمك، كما لم يقلْ معلِّمك إلا بحجة خفيتْ عليك.

فإن قال: «نعم» تركَ تقليد معلِّمه إلى تقليد معلِّمِ معلِّمه، وكذلك من هو أعلى حتى ينتهي الأمر إلى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن أبى ذلك نقضَ قوله، وقيل له: كيف تجوِّز (٤) تقليدَ من هو أصغرُ وأقلُّ علمًا، ولا تجوِّز تقليدَ من هو أكبر وأكثر علمًا؟ وهذا تناقضٌ.


(١) رواه الخطيب عنه في «الفقيه والمتفقه» (٢/ ١٣٦ - ١٣٧). وذكره الزركشي في «البحر المحيط» (٦/ ٢٨١).
(٢) في النسخ: «هل».
(٣) ت: «كثيرًا» تصحيف.
(٤) د: «يجوز». وكذا في «الجامع».