للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأعجب من هذا أنهم مصرِّحون (١) في كتبهم ببطلان التقليد وتحريمه، وأنه لا يحلُّ القول به في دين الله، ولو اشترط الإمام على الحاكم أن يحكم بمذهب معيَّنٍ لم يصحَّ شرطُه ولا توليتُه، ومنهم من صحَّح التولية وأبطل الشرط، وكذلك المفتي يَحرُم عليه الإفتاء بما لا يعلم صحته باتفاق الناس، والمقلِّد لا علمَ له (٢) بصحة القول وفساده؛ إذ طريق ذلك مسدودةٌ عليه، ثم كلٌّ منهم يعرِف من نفسه أنه مقلِّد لمتبوعه لا يفارق قوله، ويترك له كلَّ ما خالفه [١٣/ب] من كتاب أو سنة أو قول صاحب أو قول من هو أعلمُ من متبوعه أو نظيره، وهذا من أعجب العجب.

وأيضًا فإنا نعلم بالضرورة أنه لم يكن في عصر الصحابة رجل واحد اتخذ رجلًا منهم يقلِّده في جميع أقواله فلم يُسقِط منها شيئًا، وأسقط أقوال غيره فلم يأخذ منها شيئا. ونعلم بالضرورة أن هذا لم يكن في عصر التابعين ولا تابع (٣) التابعين، فليكذِّبْنا المقلّدون برجل واحد سلك سبيلهم الوخيمةَ في القرون الفضيلة (٤) على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما حدثت هذه البدعة في القرن الرابع المذموم على لسانه - صلى الله عليه وسلم -؛ فالمقلّدون لمتبوعيهم (٥) في جميع ما قالوه يبيحون به الفروج والدماء والأموال ويُحرِّمونها (٦)، ولا


(١) ت: «يصرحون».
(٢) «له» ساقطة من ت.
(٣) كذا في النسخ بالإفراد.
(٤) ع: «المفضلة».
(٥) ت: «لمتبوعهم».
(٦) ت: «ويحرمون».