للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سبحانه الأدلة الظاهرة على الحق وبيَّن لعباده ما يتقون، فادَّعيتم العجز عن معرفة ما نصبَ عليه الأدلة وتولَّى بيانه، ثم زعمتم أنكم قد عرفتم بالدليل أن صاحبكم أولى بالتقليد من غيره، وأنه أعلم الأمة [١٧/أ] وأفضلها في زمانه وهَلُمَّ جرًّا، وغلاة كل طائفة منكم توجب اتباعَه وتحرِّم اتباع غيره كما هو في كتب أصولهم. فعجبًا كلّ العجب لمن خفي عليه الترجيح فيما نصب الله عليه الأدلة من الحق، ولم يهتدِ (١) إليها، واهتدى إلى أن متبوعه أحقُّ وأولى بالصواب ممن عداه، ولم يَنْصِب الله على ذلك دليلًا واحدًا.

ويقال ثامن عشر: أعجبُ من هذا كله من شأنكم معاشرَ المقلّدين أنكم إذا وجدتم آية من كتاب الله توافق رأي صاحبكم أظهرتم أنكم تأخذون بها، والعمدة في نفس الأمر على ما قاله، لا على الآية، وإذا وجدتم آيةً نظيرَها تخالف قوله لم تأخذوا بها، وتطلَّبتم لها وجوه التأويل وإخراجها عن ظاهرها حيث لم توافق رأيه، وهكذا تفعلون في نصوص السنة سواء (٢)، إذا وجدتم حديثًا صحيحًا يوافق قوله أخذتم به، وقلتم: لنا قوله (٣) - صلى الله عليه وسلم - كيتَ وكيتَ، وإذا وجدتم مائة حديث صحيح بل أكثر تخالف قوله لم تلتفتوا إلى حديث (٤) منها، ولم يكن لكم منها حديث واحد فتقولون: لنا قوله - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا، وإذا وجدتم مرسلًا قد وافق رأيه أخذتم به وجعلتموه حجة هناك، فإذا وجدتم مائة مرسلٍ تخالف رأيه اطَّرحتُموها كلّها من أولها إلى آخرها، وقلتم: لا نأخذ بالمرسل.


(١) ت: «يهتدي».
(٢) «سواء» ساقطة من ت.
(٣) د: «قول النبي».
(٤) في ت بعدها: «واحد».