للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واحتجوا على المنع من بيع الزيت بالزيتون إلا بعد العلم بأن ما في الزيتون من الزيت أقلُّ من الزيت المفرد، بالحديث الذي فيه النهي عن بيع اللحم بالحيوان (١). ثم خالفوه نفسه، فقالوا: يجوز بيع اللحم بالحيوان من نوعه وغير [٢٣/أ] نوعه.

واحتجوا على أن عطية المريض المنجزة كالوصية لا تنفذ إلا في الثلث، بحديث عمران بن حُصين: «أن رجلًا أعتق ستة مملوكين عند موته لا مال له سواهم، فجزَّأهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أجزاء وأقرعَ بينهم، فأعتقَ اثنين وأرقَّ أربعة» (٢). ثم خالفوه في موضعين؛ فقالوا: لا يُقرَع بينهم البتةَ، ويعتق من كل واحدٍ سدسُه.

وهذا كثيرٌ جدًّا، والمقصود أن التقليد حكمَ عليكم بذلك، وقادكم إليه قهرًا، ولو حكَّمتم الدليلَ على التقليد لم تقعوا في مثل هذا؛ فإن هذه الأحاديث إن كانت حقًّا وجب الانقياد لها والأخذُ بما فيها، وإن لم تكن صحيحة لم يؤخذ بشيء مما فيها، فأما أن تُصحَّح ويُؤخذ بها فيما وافق قولَ المتبوع، وتُضعَّف أو تُردّ إذا خالفتْ قوله أو تُؤوَّل= فهذا من أعظم الخطأ والتناقض.

فإن قلتم: عارضَ ما خالفناه منها ما هو أقوى منه، ولم يعارض ما وافقناه منها ما يوجب العدولَ عنه واطِّراحَه.

قيل: لا تخلو هذه الأحاديث وأمثالها أن تكون منسوخة أو محكمةً، فإن كانت منسوخة لم يُحتجَّ بمنسوخٍ البتةَ، وإن كانت محكمةً لم يجز


(١) تقدم تخريجه.
(٢) رواه مسلم (١٦٦٨) من حديث عمران بن حصين - رضي الله عنهما -.