للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوضحه الوجه الثالث والثلاثون: أن ما ذكرتم بعينه حجة عليكم، فإن الله سبحانه أمر (١) بسؤال أهل الذكر، والذكر هو القرآن والحديث الذي أمر الله نساء نبيه أن يذكرنه بقوله: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: ٣٤]، فهذا هو الذكر الذي أمرنا الله باتباعه، وأمر من لا علم عنده أن يسأل أهله، وهذا هو الواجب على كل أحد أن يسأل أهل العلم بالذكر الذي أنزله على رسوله ليخبروه به، فإذا أخبروه به لم يَسَعْه غير اتباعه. وهذا كان شأن أئمة أهل العلم، لم يكن لهم مقلَّد معيَّن يتبعونه في كل ما قال؛ فكان عبد الله بن عباس يسأل الصحابة عما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو فعله أو سنَّه (٢)، لا يسألهم عن غير ذلك، وكذلك الصحابة كانوا يسألون أمهات المؤمنين خصوصًا عائشة عن فِعْلِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته (٣)، وكذلك التابعون كانوا يسألون الصحابة عن شأن نبيهم فقط، وكذلك أئمة الفقه، كما قال الشافعي لأحمد: يا أبا عبد الله، أنت أعلم بالحديث مني؛ فإذا صح الحديث فأعلِمْني حتى أذهب إليه شاميًّا كان أو كوفيًّا أو بصريًّا (٤)،

ولم يكن أحد من أهل العلم قط يسأل عن رأي رجل بعينه ومذهبه فيأخذ به وحده ويخالف له ما سواه.


(١) ع: «أمرنا».
(٢) من ذلك قوله - رضي الله عنهما - لرجل من الأنصار: «هلمَّ فلنسأل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنهم اليوم كثير»، رواه الدارمي (٥٩٠) وابن سعد في «الطبقات» (٢/ ٣٦٨) والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (١/ ٥٤٢)، والحاكم (١/ ١٠٦).
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) رواه ابن أبي حاتم في «آداب الشافعي ومناقبه» (ص ٧٠) ..