للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أهل الأرض على خلافه= لم نلتفتْ إلى أحد منهم. ونحمد الله على أن عافانا مما ابتلى به من حرَّم تقليدهما وأوجب تقليد متبوعه من الأئمة.

وبالجملة فلو [٢٨/ب] صحَّ تقليد عمر لأبي بكر لم يكن في ذلك راحةٌ لمقلِّدي من لم يأمر الله ولا رسوله بتقليده، ولا جعله عِيارًا على كتابه وسنة رسوله، ولا هو جعل نفسه كذلك.

الخامس: أن غاية هذا أن يكون عمر قد قلَّد أبا بكر في مسألة، فهل في هذا دليل على جواز اتخاذ أقوال رجل بعينه بمنزلة نصوص الشارع، لا يُلتفَت إلى قول من سواه بل ولا إلى نصوص الشارع إلا إذا وافقت قولَه؟ فهذا واللهِ هو الذي أجمعت الأمة على أنه محرَّم في دين الله، ولم يظهر في الأمة إلا بعد انقراض القرون الفاضلة.

الوجه السادس والثلاثون: قولهم: إن عمر قال لأبي بكر: رأْيُنا لرأيك تَبَع؛ فالظاهر أن المحتج بهذا سمع الناس يقولون كلمة تكفي العاقلَ، فاقتصر من الحديث على هذه الكلمة، واكتفى بها، والحديث من أعظم الأشياء إبطالًا لقوله؛ ففي «صحيح البخاري» (١) عن طارق بن شهاب قال: جاء وفد بُزاخَة من أسد وغطفان إلى أبي بكر يسألون الصلح، فخيَّرهم بين الحرب المُجْلِية والسلم المُخْزِية (٢)، فقالوا: هذه المُجْلِية قد عرفناها فما


(١) رقم (٧٢٢١) باختصار، وساقه بطوله أبو بكر البرقاني في «مستخرجه» كما في «الفتح» (١٣/ ٢١٠)، والحميدي في «الجمع بين الصحيحين» (١/ ٩٦).
(٢) المجلية من الجلاء، وهو الخروج من جميع المال، والمخزية من الخزي، وهو القرار على الذل والصَّغار.