للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واختلف المقلّدون من أتباعه فيمن يؤخذ بقوله من المنتسبين إليه ويكون له وجه يفتي ويحكم به، ومن ليس كذلك، وجعلوهم ثلاث مراتب: طائفة أصحاب وجوه كابن سُريج والقفّال وأبي حامد، وطائفة أصحاب احتمالات لا أصحاب وجوه كأبي المعالي، وطائفة ليسوا أصحاب وجوه ولا احتمالات كأبي حامد وغيره.

واختلفوا متى انسدَّ باب الاجتهاد على أقوال كثيرة ما أنزل الله بها من سلطان، وعند هؤلاء أن الأرض قد خلتْ من قائمٍ لله بحججه (١)، ولم يبقَ فيها من يتكلّم بالعلم، ولم يحلَّ لأحدٍ بعدُ أن ينظر في كتاب الله ولا سنة رسوله لأخذ الأحكام منها، ولا يقضي ويفتي بما فيها حتى يعرضه على قول مقلَّده ومتبوعه، فإن [٥٠/أ] وافقه حكم به وأفتى به، وإلا ردَّه ولم يقبله.

وهذه أقوال ــ كما ترى ــ قد بلغتْ من الفساد والبطلان والتناقض، والقولِ على الله بلا علم، وإبطالِ حججه، والزهدِ في كتابه وسنة رسوله، وتلقِّي الأحكام منهما= مبلغَها، ويأبى الله إلا أن يتمَّ نوره ويصدِّق قول رسوله: إنه لا تخلو الأرض من قائمٍ لله بحججه (٢) (٣)، ولن تزال طائفة من أمته على محض الحق الذي بعثه به (٤)، وأنه لا يزال يبعث على رأس كلِّ مائة سنةٍ لهذه الأمة من يجدِّد لها دينها (٥).


(١) ت: «بحجة».
(٢) سبق تخريجه.
(٣) «والزهد ... بحججه» ساقطة من ع.
(٤) سبق تخريجه.
(٥) رواه أبو داود (٤٢٩١)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (٦٥٢٧)، والحاكم (٤/ ٥٢٢) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وصححه السخاوي في «المقاصد الحسنة» (٢٣٨) وعزا تصحيحه إلى الحاكم، وصححه أيضًا الألباني في «السلسلة الصحيحة» (٥٩٩).