للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويكفي في فساد هذه الأقوال أن يقال لأربابها: فإذا لم يكن لأحدٍ أن يختار بعد من ذكرتم فمن أين وقع لكم اختيار تقليدهم دون غيرهم؟ وكيف حرّمتم على الرجل أن يختار ما يؤديه إليه اجتهاده من القول الموافق لكتاب الله وسنة رسوله، وأبحتم لأنفسكم اختيار قول من قلّدتموه، وأوجبتم على الأمة تقليده، وحرّمتم تقليد من سواه، ورجحتموه على تقليد من سواه؟ فما الذي سوَّغ لكم هذا الاختيار الذي لا دليلَ عليه من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس ولا قول صاحب، وحرَّم اختيارَ ما عليه الدليل من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة؟

ويقال لكم: فإذا كان لا يجوز الاختيار بعد المائتين عندك ولا عند غيرك، فمن أين ساغ لك وأنت لم تولد إلا بعد المائتين بنحو ستين سنة أن تختار قول مالك، دون من هو أفضل منه من الصحابة والتابعين أو من هو مثله من فقهاء الأمصار أو ممن جاء بعده؟ وموجَبُ هذا القول أن أشهب وابن الماجشون ومطرِّف بن عبد الله وأصبغ بن الفرج وسَحنون بن سعيد (١) وأحمد بن المعذَّل ومن في طبقتهم من الفقهاء كان لهم أن يختاروا إلى انسلاخ ذي الحجة من سنة مائتين، فلما استهلَّ هلال (٢) المحرّم من سنة إحدى ومائتين وغابت الشمس من تلك الليلة حرم عليهم


(١) ت: «سعد» خطأ.
(٢) «هلال» ليست في ت.