في الوقت بلا مهلةٍ ما كان مطلقًا [٥٠/ب] لهم من الاختيار!
ويقال للآخرين: أليس من المصائب وعجائب الدنيا تجويزُكم الاختيارَ والاجتهاد والقول في دين الله بالرأي والقياس لمن ذكرتم من أئمتكم، ثم لا تجيزون الاختيار والاجتهاد لحفَّاظ الإسلام وأعلمِ الأمة بكتاب الله وسنة رسوله وأقوال الصحابة وفتاواهم، كأحمد (١) بن حنبل والشافعي وإسحاق بن راهويه ومحمد بن إسماعيل البخاري وداود بن علي ونظرائهم، على سعة علمهم بالسنن، ووقوفهم على الصحيح منها والسقيم، وتحريهم في معرفة أقوال الصحابة والتابعين، ودقة نظرهم، ولطف استخراجهم للدلائل. ومن قال منهم بالقياس فقياسه من أقرب القياس إلى الصواب، وأبعده عن الفساد، وأقربه إلى النصوص، مع شدة ورعهم وما منحهم الله من محبة المؤمنين لهم وتعظيم المسلمين علمائهم وعامتهم لهم.
فإن احتجّ كل فريق منهم بترجيح متبوعه بوجه من وجوه التراجيح من: تقدُّم زمانٍ، أو زهدٍ، أو ورعٍ، أو لقاءِ شيوخ وأئمة لم يلْقَهم مَن بعده، أو كثرةِ أتباعٍ لم يكونوا لغيره= أمكن الفريقَ الآخر أن يُبدوا لمتبوعهم من الترجيح بذلك أو غيره ما هو مثل هذا أو فوقه، وأمكن غيرَ هؤلاء كلهم أن يقولوا لهم جميعًا: نفوذ قولكم هذا إن لم تأنفوا من التناقض يوجب عليكم أن تتركوا قول متبوعكم لقول من هو أقدم منه من الصحابة والتابعين وأعلم وأورع وأزهد وأكثر اتباعًا وأجلُّ، فأين أتباع ابن عباس وابن مسعود وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل بل أتباع عمر وعلي من أتباع الأئمة المتأخرين في الكثرة والجلالة؟ وهذا