للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبو هريرة قال البخاري: حمل العلم عنه ثمانمائة رجل ما بين صاحب وتابع (١). وهذا زيد بن ثابت من جملة أصحابه عبد الله بن عباس، وأين في أتباع [٥١/أ] الأئمة مثلُ عطاء وطاوس ومجاهد وعكرمة وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وجابر بن زيد؟ وأين في أتباعهم مثل السعيدَين (٢) والشعبي ومسروق وعلقمة والأسود وشُريح؟ وأين في أتباعهم مثلُ نافع وسالم والقاسم وعروة وخارجة بن زيد وسليمان بن يسار وأبي بكر بن عبد الرحمن؟ فما الذي جعل الأئمة بأتباعهم أسعدَ من هؤلاء بأتباعهم؟ ولكن أولئك وأتباعهم على قدر عصرهم، فعِظَمُهم وجلالتهم وكِبَرُهم منع المتأخرين من الاقتداء بهم، وقالوا بلسان قالهم وحالهم: هؤلاء كبار علينا لسنا من زَبونهم، كما صرَّحوا وشهِدوا على أنفسهم بأنّ أقدارهم تتقاصر عن تلقّي العلم من القرآن والسنة، وقالوا: لسنا أهلًا لذلك، لا لقصور الكتاب والسنة، ولكن لعَجْزِنا نحن وقصورنا، فاكتفينا بمن هو أعلم بهما منّا.

فيقال لهم: فلِمَ تُنكرون على من اقتدى بهما وحكَّمهما وتحاكم إليهما، وعرضَ أقوال العلماء عليهما فما وافقهما قَبِلَه وما خالفهما ردَّه؟ فهَبْ أنكم لم تصلوا إلى هذا العنقود فلِمَ تنكرون على من وصل إليه وذاق حلاوته؟ وكيف تحجَّرتم الواسعَ من فضل الله الذي ليس على قياس عقول العالمين ولا اقتراحاتهم، وهم وإن كانوا في عصركم ونشأوا معكم وبينكم وبينهم نسبٌ قريب فالله يمنُّ على من يشاء من عباده.


(١) انظر: «الاستيعاب» (٤/ ١٧٧١) و «جامع الأصول» (١٢/ ٥٩١) و «تاريخ الإسلام» للذهبي (٢/ ٥٦١) والإصابة (١٣/ ٤١).
(٢) أي سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير.