للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السماءُ العشْرُ، وما سُقِي بنَضْحٍ أو غَرْبٍ فنصفُ العشر» (١). قالوا: وهذا يعمُّ القليلَ والكثير، وقد عارضه الخاص، ودلالة العام قطعية كالخاص، وإذا تعارضا قُدِّم الأحوط وهو الوجوب (٢).

فيقال: يجب العمل بكلا الحديثين، ولا يجوز معارضة أحدهما [٨٩/أ] بالآخر وإلغاء أحدهما بالكلية؛ فإن طاعة الرسول فرضٌ في هذا وفي هذا. ولا تعارضَ بينهما بحمد الله بوجه من الوجوه؛ فإن قوله: «فيما سَقَتِ السماء العْشُر» إنما أريد به التمييز بين ما يجب فيه العشر وما يجب فيه نصفه، فذكر النوعين مفرّقًا بينهما في مقدار الواجب، وأما مقدار النصاب فسكت عنه في هذا الحديث، وبيَّنه نصًّا في الحديث الآخر، فكيف يجوز العدول عن النص الصحيح الصريح المحكم الذي لا يحتمل غير (٣) ما دلَّ عليه البتةَ إلى المجمل المتشابه الذي غايته أن يتعلَّق فيه بعموم لم يُقصَد. وبيانه بالخاص المحكم المبين كبيان سائر العمومات بما يخصّها من النصوص؟

ويالله العجب! كيف يخصّون عموم القرآن والسنة بالقياس الذي أحسنُ أحواله أن يكون مختلَفًا في الاحتجاج به وهو محلُّ اشتباهٍ واضطراب؟ إذ ما من قياسٍ (٤) إلا ويمكن معارضتُه بقياس مثله أو دونه أو أقوى منه، بخلاف السنة الصحيحة الصريحة فإنها لا يعارضها إلا سنة ناسخة معلومة التأخُّر (٥)


(١) رواه البخاري (١٤٨٣) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.
(٢) ع: «الواجب».
(٣) ت: «إلا».
(٤) ت: «القياس».
(٥) ت: «التأخير».