للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي «صحيح مسلم» (١) عن أنس: أن رجلًا اطَّلعَ من بعض حجر رسول الله (٢) - صلى الله عليه وسلم -، فقام إليه بمِشْقَصٍ أو بمشاقص، قال: وكأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَخْتِلُه ليطعنَه.

وفي «سنن البيهقي» (٣) بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من اطَّلعَ على قوم بغير إذنهم فرمَوه فأصابوا عينه فلا ديةَ له [٩٣/أ] ولا قصاصَ».

فرُدَّت هذه السنن بأنها خلاف الأصول؛ فإنّ الله إنما أباح قَلْعَ العين بالعين، لا بجناية النظر، ولهذا لو جنى عليه بلسانه لم يقطع، ولو استمع عليه بأُذُنه لم يجز له أن يقطع أذنه.

فيقال: بل هذه السنن من أعظم الأصول؛ فما خالفها فهو خلاف الأصول. وقولكم: إنما شرع الله سبحانه أخْذَ العين بالعين، فهذا حق في القصاص، وأما العضو الجاني المتعدّي الذي لا يمكن دفعُ ضرره وعدوانه إلا برميه، فإن الآية لا تتناوله (٤) نفيًا ولا إثباتًا، والسنة جاءت ببيان حكمه بيانًا ابتدائيًّا لِما سكت عنه القرآن، لا مخالفًا لما حكم به القرآن، وهذا قسم آخر غير فَقْء العين قصاصًا، وغير دفع الصائل الذي يُدفع بالأسهل فالأسهل؛ إذ المقصود دفع ضررِ صِياله، فإذا اندفع بالعصا لم يدفع بالسيف.


(١) رقم (٢١٥٧)، ورواه البخاري (٦٢٤٢) أيضًا.
(٢) د: «النبي».
(٣) (٨/ ٣٣٨)، ورواه أيضًا النسائي (٤٨٦٠) وأحمد (٨٩٩٧)، وصححه ابن حبان (٦٠٠٤).
(٤) ت: «لا تتناول له».