للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المستأجرة، والمشتري لم يتسلَّم التسلُّم التام كما لم يتسلم المستأجر التسلُّم التام، فإذا جاء أمر غالب اجتاح الثمرة من غير تفريطٍ من المشتري لم يحلَّ للبائع إلزامُه بثمن ما أتلفه الله سبحانه منها قبل تمكُّنه من قبضها القبضَ المعتاد.

وهذا معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أرأيتَ إن منعَ الله الثمرة؟ فبِمَ يأخذ أحدكم مالَ أخيه بغير حق؟» (١)، فذكر الحكم وهو قوله: «فلا يحلُّ له أن يأخذ (٢) منه شيئًا»، وعلة الحكم وهو قوله: «أرأيتَ إن منع الله الثمرةَ» إلى آخره. وهذا الحكم نصٌّ لا يحتمل التأويل، والتعليل وصف مناسب لا يقبل الإلغاء ولا المعارضة. وقياس الأصول لا يقتضي غير ذلك، ولهذا لو تمكَّن من القبض المعتاد [٩٤/ب] في وقته ثم أخَّره لتفريطٍ منه أو لانتظارِ غلاء السعر كان التلف من ضمانه، ولم تُوضَع عنه الجائحة.

وأما معارضة هذه السنة بحديث الذي أُصيب في ثمار ابتاعها فمن باب ردِّ المحكم بالمتشابه؛ فإنه ليس فيه أنه أصيب فيها بجائحة، بل لعله أصيب فيها بانحطاط سعرها. وإن قُدِّر أن المصيبة كانت بجائحةٍ فليس في الحديث أنها كانت جائحة عامة، بل لعلها جائحة خاصة كسرقة اللصوص التي يمكن (٣) الاحتراز منها، ومثل هذا لا يكون جائحة تُسقِط الثمن عن المشتري، بخلاف نهب الجيوش والتلف بآفة سماوية. وإن قُدِّر أن الجائحة عامة فليس في الحديث ما يبيِّن أن التلف لم يكن بتفريطه في التأخير، ولو


(١) تقدم تخريجه.
(٢) ع: «لك أن تأخذ».
(٣) ت: «لا يمكن».