للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذاهب إلى تبوك، وقال لأصحابه: «اخْرُصوها»، فخرصوها بعشرة أوسُقٍ، فلما قَفَلَ (١) سألوا المرأة عن تمر الحديقة، فقالت: بلغ عشرة أوسُقٍ.

وفي «الصحيحين» (٢) من حديث [١٠٠/ب] زيد بن ثابت: رخَّص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصاحب العرِيَّة أن يبيعها بخَرْصِها تمرًا.

وصحّ عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه بعث سهل بن أبي حَثْمة على خرص التمر، وقال: إذا أتيتَ أرضًا فاخرُصْها، ودَعْ لهم قدرَ ما يأكلون» (٣).

فردَّتْ هذه السنن كلها بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: ٩٠]، قالوا: والخرص من باب القمار والميسر؛ فيكون تحريمه ناسخًا لهذه الآثار. وهذا من أبطل الباطل؛ فإن الفرق بين القمار والميسر والخرص المشروع، كالفرق بين البيع والربا والميتة والذكيّ (٤)، وقد نزَّه الله رسوله وأصحابه عن تعاطي القمار وعن شرعه وإدخاله في الدين.

ويا لله العجب! أكان المسلمون يقامرون إلى زمن خيبر، ثم استمروا على ذلك إلى عهد الخلفاء الراشدين، ثم انقضى عصر الصحابة وعصر التابعين على القمار ولا يعرفون أن الخرص قمار حتى بيَّنه بعض فقهاء


(١) ع: «قفلوا».
(٢) رواه البخاري (٢٣٨٠) ومسلم (١٥٣٩).
(٣) رواه البيهقي (٤/ ١٢٤)، وإسناده منقطع لأن بُشيرًا لم يدرك عمر، ولكن وصله الحاكم وصححه (١/ ٤٠٢ - ٤٠٣)، ورواه البيهقي (٤/ ١٢٤) عن بشير عن سهل بن أبي حثمة عن عمر.
(٤) في المطبوع: «والمذكى». والمثبت من النسخ.