للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

استأثر به ونقله إلى الرفيق الأعلى، والمحلِّ الأسنى؛ وقد ترك أمته على المحجّة البيضاء، والطريق (١) الواضحة الغرّاء. فصلَّى الله وملائكته وأنبياؤه ورسله والصالحون من عباده عليه وآله كما وحَّد الله، وعرَّف به، ودعا إليه؛ وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد، فإنَّ أولى ما تنافس فيه (٢) المتنافسون، وأَجْرَى (٣) في حَلْبة سباقه المتسابقون: ما كان بسعادة العبد في معاشه ومعاده كفيلًا، وعلى طريق هذه السعادة دليلًا. وذلك العلم النافع والعمل الصالح اللذان (٤) لا سعادة للعبد إلا بهما، ولا نجاة له إلا بالتعلُّق بسببهما. فمن رُزِقهما فقد فاز وغَنِم، ومن حُرِمهما فالخيرَ كلَّه حُرِم. وهما مورد انقسام العباد إلى مرحوم ومحروم، وبهما يتميز البرُّ من الفاجر، والتقيُّ من الغوي، والظالمُ من المظلوم. [٣/أ] ولما كان العلم للعمل قرينًا وشافعًا، وشرفه لشرف معلومه تابعًا، كان أشرف العلوم على الإطلاق علم التوحيد، وأنفعها علم أحكام


(١) ت، ف: "الطريقة".
(٢) ع: "يتنافس به"، وكذا في الطبعات القديمة. وفي المطبوع: "يتنافس فيه".
(٣) فعل ماضٍ من الإجراء، معطوف على "تنافس" يعني: أولى ما أجرى المتسابقون خيولهم في حلبة سباقه. ومنه المثل: "كُلُّ مُجْرٍ في الخلاء يُسَرُّ". وقال علي بن الجهم من قصيدة في "ديوانه" (ص ١٣٨):
وما كلُّ من قاد الجياد يسوقها ... ولا كُلُّ من أجرى يقال له مُجْري

ولما صحَّفه بعضهم إلى "أحرى" ظنًّا منه بأنه بمعنى "أولى" ومعطوف عليه، زاد بعض الناشرين بعده: "ما يتسابق" لإصلاح العبارة كما في النسخ المطبوعة.
(٤) في جميع النسخ: "اللذين".