للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن ذلك عمل الصحابة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في اقتدائهم به وهو جالس (١)، وهذا كأنه رأيُ عينٍ، سواء كانت صلاتهم خلفه قعودًا أو قيامًا، فهذا عمل في غاية الظهور والصحة، فمن العجب أن تُقدَّم عليه رواية جابر الجعفي عن الشعبي ــ وهما كوفيان ــ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يَؤمَّنَّ أحدٌ بعدي جالسًا» (٢)؟ وهذه من أسقط روايات أهل الكوفة.

ومن ذلك أن سليمان بن عبد الملك عامَ حجَّ جمع ناسًا من أهل العلم فيهم عمر بن عبد العزيز وخارجة بن زيد بن ثابت والقاسم بن محمد وسالم وعبد الله (٣) ابنا عبد الله بن عمر ومحمد بن شهاب الزهري وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فسألهم عن الطيب قبل الإفاضة، فكلهم أمره بالطيب، وقال القاسم: أخبرتني عائشة أنها طيَّبتْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحِرْمه حين أحرم ولحِلِّه قبل أن يطوف بالبيت. ولم يختلِفْ عليه أحد منهم، إلا أن عبد الله بن عبد الله قال: كان عبد الله رجلًا (٤) جادًّا مُجِدًّا، كان يرمي الجمرةَ، ثم يذبح، ثم يحلق، ثم يركب فيُفِيض قبل أن يأتي منزله. قال سالم: صدق. ذكره النسائي (٥). فهذا عمل أهل المدينة وفتياهم، فأي عمل بعد ذلك يخالفه يستحق التقديم عليه؟


(١) رواه البخاري (٦٨٨) ومسلم (٤١٢) من حديث عائشة.
(٢) رواها الدارقطني (١٤٨٥) والبيهقي (٣/ ٨٠).
(٣) كذا في النسخ و «السنن الكبرى» مكبّرًا، وهو صواب. وفي بعض المطبوعات: «عبيد الله». وعبد الله وعبيد الله كلاهما من أبناء عبد الله بن عمر، من رجال «الصحيحين»، وعبد الله كان وصيَّ أبيه، كما في «التقريب».
(٤) «رجلًا» ساقطة من د.
(٥) رواه النسائي في «السنن الكبرى» (٤١٤٦).