للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

زَرافاتٍ ووُحدانًا (١)، وإذا دعاهم الرسول إلى أمر انتدبوا إليه (٢) ولا يسألونه على ما (٣) قال برهانًا (٤). ونصوصه أجلُّ في صدورهم وأعظمُ في نفوسهم من أن يقدِّموا عليها قولَ أحد من الناس، أو يعارضوها برأي أو قياس.

ثم خلَف من بعدهم خلوف {فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: ٣٢]، وتقطَّعوا أمرهم بينهم زُبُرًا، وكلٌّ إلى ربهم راجعون. جعلوا التعصب للمذاهب ديانتهم التي بها يدينون، ورؤوس أموالهم التي بها يتَّجرون. وآخرون منهم قنعوا بمحض التقليد وقالوا: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى [٤/أ] أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: ٢٣]. والفريقان بمعزل عما ينبغي اتباعه من الصواب، ولسانُ الحق يتلو عليهم: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} [النساء: ١٢٣].

قال الشافعي قدَّس الله روحه: أجمع المسلمون على أنّ من استبانت له


(١) من قول قُريط بن أُنَيف في أول "الحماسة" (١/ ٥٨):
قومٌ إذا الشَّرُّ أبدى ناجذيه لهم ... طاروا إليه زرافاتٍ ووُحْدانا
(٢) "إليه" ساقط من ع.
(٣) ت، ف: "عمّا".
(٤) من البيت التالي لقول الشاعر المذكور:
لا يسألون أخاهم حين يندبُهم ... في النائبات على ما قال برهانا