يوضّحه أن المؤجر والمساقي قد علما أنه لا بدّ للحيّ من قَوَّام، ولا بدّ للنخيل من سقْيٍ وعملٍ عليها؛ فكأنه قد حصل الإذن فيها في الإنفاق عرفًا، والإذن العرفي يجري مجرى الإذن اللفظي، وشاهده ما ذكرتم من المسائل.
فيقال: هذا من أقوى الحجج عليكم في مسألة علف المرتهن للرهن، واستحقاقه للرجوع بما غرمه، وهذا نصف المسافة، وبقي نصفها الثاني، وهو المعاوضة عليها بركوبه وشربه، وهي أسهل المسافتين وأقربهما؛ إذ غايتها تسليط الشارع له على هذه المعاوضة التي هي من مصلحة الراهن والمرتهن والحيوان، وهي أولى من تسليط الشفيع على المعاوضة عن الشِّقْص المشفوع لتكميل ملكه وانفراده به، وهي أولى من المعاوضة في مسألة الظفر بغير اختيارِ مَن عليه الحق؛ فإن سبب الحق فيها ليس ثابتًا، والآخذ ظالم في الظاهر، ولهذا منعه النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأخذ وسماه خائنًا بقوله:«أدِّ الأمانةَ إلى من ائتمنَك، ولا تخُنْ من خانك»(١). وأما ههنا فسبب الحق ظاهر، وقد أذن في المعاوضة للمصلحة التي فيها، [١٢٨/ب] فكيف تَمنع هذه المعاوضةَ التي سبب الحق فيها ظاهر وقد أذن فيها الشارع، وتُجوِّز تلك المعاوضة التي سبب الحق فيها غير ظاهر وقد منع منها الشارع؟ فلا نصّ ولا قياس.
ومما يدلُّ على أن من أدّى عن غيره واجبًا أنه يرجع عليه به قولُه تعالى:{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}[الرحمن: ٦٠]، وليس من جزاء هذا
(١) رواه أبو داود (٣٥٣٥) والترمذي وحسنه (١٢٦٤) والبزار (٩٠٠٢)، وصححه الحاكم (٢/ ٤٦)، وفي الباب عن أبي هريرة وأنس - رضي الله عنهما -. وانظر: «الإرواء» (٥/ ٣٨١) و «السلسلة الصحيحة» (٤٢٣).