للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المحسن بتخليصه من أحسن إليه (١) بأداء دَينه وفكِّ أسْره منه وحلِّ وثاقِه أن يضيع عليه معروفُه وإحسانه، وأن يكون جزاؤه منه بإضاعة ماله ومكافأته عليه بالإساءة، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَن أسدى إليكم معروفًا فكافِئوه» (٢)، وأيُّ معروفٍ فوق معروف هذا الذي افْتكَّ أخاه من أَسْر الدين؟ وأي مكافأة أقبح من إضاعة ماله عليه وذهابه؟ وإذا كانت الهدية التي هي تبرُّعٌ محض قد شُرِعت المكافأة عليها وهي من أخلاق المؤمنين، فكيف يُشرع جواز ترك المكافأة على ما هو من أعظم المعروف؟ وقد عقد الله سبحانه الموالاة بين المؤمنين وجعل بعضهم أولياء بعض، فمن أدّى عن وليّه واجبًا كان نائبَه فيه بمنزلة وكيلِه ووليِّ من أقامه الشرع للنظر في مصالحه لضعفه أو عجزه.

ومما يوضِّح ذلك أن الأجنبي لو أقرض ربَّ الدين قدْرَ دينه وأحاله به (٣) على المدين ملك ذلك، وأيُّ فرقٍ شرعي أو معنوي بين أن يوفِّيه ويرجع به على المدين أو يُقرِضه ويحتال به على المدين؟ وهل تفرِّق الشريعة المشتملة على مصالح العباد بين الأمرين؟ ولو تعيَّن عليه ذبح هدي أو أضحية فذبحها أجنبي بغير إذنه أجزأَتْ (٤) وتأدَّى الواجب بذلك، ولم تكن ذبيحة غاصب، وما ذاك إلا لكون الذبح قد وجب عليه فأدَّى هذا


(١) «بتخليصه من أحسن إليه» ساقطة من ت.
(٢) رواه أبو داود (١٦٧٢) والنسائي (٢٥٦٧) وأحمد (٥٣٦٥)، وصححه ابن حبان (٣٤٠٨) والحاكم (١/ ٤١٢) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -. انظر: «السلسلة الصحيحة» (٢٥٤).
(٣) «به» ليست في ت.
(٤) ت: «أجزأ».