للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأوقات التي بيّنها النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله وفعله نوعان بحسب حال أربابها: أوقات السعة والرفاهية، وأوقات العذر والضرورة، ولكل منها أحكام تخصُّها. وكما أن واجبات الصلاة وشروطها تختلف باختلاف القدرة والعجز فهكذا أوقاتها، وقد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت النائم والذاكر حين يستيقظ ويذكر، أيّ وقتٍ كان (١)، وهذا غير الأوقات الخمسة. وكذلك جعل أوقات المعذورين ثلاثة: وقتين مشتركين، ووقتًا مختصًّا؛ فالوقتان المشتركان لأرباب الأعذار هما أربعة لأرباب الرفاهية، ولهذا جاءت الأوقات في كتاب الله نوعين (٢) خمسة وثلاثة في نحو عشر آيات من القرآن، فالخمسة لأهل (٣) الرفاهية والسعة، والثلاثة لأرباب الأعذار، وجاءت السنة بتفصيل ذلك وبيانه وبيان أسبابه، فتوافقت دلالة القرآن والسنة والاعتبار الصحيح الذي هو مقتضى حكمة الشريعة وما اشتملت [١٣١/أ] عليه من المصالح.

فأحاديث الجمع مع أحاديث الإفراد بمنزلة أحاديث الأعذار والضرورات مع أحاديث الشروط والواجبات؛ فالسنة يبيِّن بعضُها بعضًا، لا يُردّ بعضُها ببعض. ومن تأمَّل أحاديث الجمع وجدها كلها صريحةً في جمع الوقت لا في جمع الفعل، وعَلِم أن جمع الفعل أشقُّ وأصعبُ من الإفراد بكثير؛ فإنه ينتظر بالرخصة أن يبقى من وقت الأولى قدرُ فعلِها فقط، بحيث إذا سلّم منها دخل وقت الثانية فأوقع كل واحدة منهما في وقتها، وهذا أمر (٤) في غاية العسر


(١) رواه البخاري (٥٩٧) ومسلم (٦٨٤) من حديث أنس - رضي الله عنه -.
(٢) ت: «نوعان».
(٣) ت: «الأهل و».
(٤) ت: «أمره».