التي عمَّت بها البلوى، ولم يكن ذلك في زمن الأئمة، بل قد ذكروا أن المُكْرِيَ يلزمه المُقام والاحتباسُ عليها لتطهر ثم تطوف، فإنه كان ممكنًا بل واقعًا في زمنهم، فأفتَوا بأنها لا تطوف حتى تطهر لتمكُّنها من ذلك، وهذا لا نزاعَ فيه ولا إشكال، فأما في هذه الأزمان فغيرُ ممكن. وإيجاب سفرين كاملين في الحج من غير تفريط من الحاج ولا سببٍ صدرَ منه يتضمن إيجابَ حجتين إلى البيت، والله تعالى إنما يوجب حجة واحدة، بخلاف من أفسد الحج فإنه قد فرَّط بفعل المحظور، وبخلاف من ترك طواف الزيارة أو الوقوف بعرفة فإنه لم يفعل ما يتمُّ به حجُّه. وأما هذه فلم تُفرِّط ولم تترك ما أُمِرت به، فإنها لم تؤمر بما لا تقدر عليه، وقد فعلت ما تقدر عليه؛ فهي بمنزلة الجنب إذا عجز عن الطهارة الأصلية والبدلية وصلَّى على حسب حاله، فإنه لا إعادة عليه في أصح الأقوال. وأيضًا فهذه قد لا يمكنها السفر مرة ثانية، فإذا قيل إنها تبقى محرِمةً إلى أن تموت، فهذا ضرر لا يكون مثله في دين الإسلام، بل يُعلم بالضرورة أن الشريعة لا تأتي به.
فصل
وأما التقدير الثاني ــ وهو سقوط طواف الإفاضة ــ فهذا مع أنه لا قائلَ به فلا يمكن القول به؛ فإنه ركن الحج الأعظم، وهو الركن المقصود لذاته، والوقوف بعرفة وتوابعه مقدمات له.
فصل
وأما التقدير الثالث ــ وهو أن تقدّم طواف الإفاضة على وقته إذا خشيت الحيضَ في وقته ــ فهذا لا يُعلم به قائل، والقول به كالقول بتقديم الوقوف